الأشجار المعمرة.. ظل الأجداد

شكلت تاريخ المدن واستخدمت غذاء ودواء
02:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
العين: هديل عادل
تكتسب الأشجار المعمرة في دولة الإمارات أهمية تراثية وتاريخية وبيئية، حيث شكلت أماكنها جزءاً مهماً من تاريخ المدن، واحتفظت حولها بذكريات الأجداد عبر عقود، وكانت مصدراً لغذاء الإنسان والحيوان، واستخدم الرعيل الأول أوراقها في الغذاء والتداوي، وأخشابها كوقود وأساس لعمليات البناء، وصناعة السفن، وغيرها من الصناعات التي اعتمد عليها إنسان الإمارات في الماضي، إضافة إلى أهميتها البيئية في تنقية الأجواء، ومنها في مدينة العين شجرة القرط، والسدر، والغاف، والسمر «الأكاسيا»، ونرصد في ما يلي مكانتها ومميزاتها في تاريخ الأجداد.

تتحدث غاية الظاهري، باحثة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، عن مكانة ودور الأشجار المعمرة في مجتمع مدينة العين خلال الماضي، قائلة: «لعبت أدواراً اجتماعية مختلفة، حيث كان يمارس الأجداد تحت ظلالها مختلف الحرف والأشغال اليدوية، ويقيموا حولها الاحتفالات والمجالس «البرزات»، واتخذوا منها أماكن لتحفيظ القرآن الكريم، وأقيم سوق العين في الماضي تحت أشجار القرط والسدر في وسط المدينة، ومثلت الأشجار المعمرة مورداً اقتصادياً هاماً لأهل المنطقة من خلال الاستفادة من أخشابها، وأوراقها، وثمارها، حيث قامت على أخشابها صناعة مواد بناء المنازل، والسفن الخشبية، وصناعة الصناديق «المناديس» التي كانت تقتنيها الأسر لحفظ الملابس والأشياء الثمينة، وقامت عليها صناعة صهر النحاس، حيث كانت تنتج مدينة العين أجود الأنواع من سفوح الجبال، واستخدموا جذوع تلك الأشجار لإشعال النار تحت أفران صهر النحاس، ما أدى إلى إزالة عدد كبير منها، ومع تغير المناخ، وتذبذب الأمطار ضرب الجفاف مناطق واسعة من الجزيرة العربية، ما أدى إلى تدهور الغطاء النباتي والشجري في المنطقة بأكملها، بعد أن كانت مدينة العين في الماضي تشتهر بوجود كثافة من مختلف أنواع الأشجار، بسبب وجود الماء العذب فيها، ومن أشهر أشجارها البيئية المعمرة التي صمدت أمام هذه الظروف شجرة القرط، والسدر، والغاف، والسمر «الأكاسيا»، وهناك شجيرات أخرى معمرة نمت وعاشت في المنطقة منها الراك، والغض «والعربظ».
وتستعرض الباحثة صفات ومميزات الأشجار المعمرة في مدينة العين، وتقول: «من مميزات شجرة القرط، أنها تنمو حول مجاري المياه في الأفلاج والوديان، ومن أشهرها «قرط طوي قمرة»، وتقع قي منطقة محطة الحافلات وسط المدينة، ويتراوح عمرها ما بين 600 إلى 700 سنة، وكان الأجداد يستخدمون ثمارها بعد سحقها، وخلطها بالزبد في دهن أجسام الغواصين، لحمايتهم من ملوحة المياه التي تسبب تشقق الجلد، وجفافه بدرجة كبيرة، ويعتبر خشب شجرة القرط من أفضل الأنواع، لأنه يتميز بصلابته فلا يتسرب منه، أو إليه الماء، وهو أيضاً مقاوم للاحتراق، ولذلك كانت هياكل السفن تصنع من تلك الأخشاب، وكذلك تستخدم في ركائز البيوت وأسقفها».
وتنتقل الظاهري للحديث عن شجرة السدر، قائلة: «تقع في منطقة المعترض بمدينة العين، ويتراوح عمرها ما بين 700 إلى 1000سنة تقريباً، وتنمو هذه الشجرة المعمرة حول مجاري المياه في الأفلاج والوديان، واستفاد إنسان الإمارات في الماضي من جذورها وأغصانها وأزهارها وثمارها، حيث استخدم ورق السدر في الماضي والحاضر لغسل الموتى، وللطهارة، وتعتبر أزهارها ويطلق عليها «يبياب السدر»، من أغنى المراعي لنحل العسل، وتعد ثمار السدر «الكنار» من أنواع الفاكهة اللذيذة، وبعد تجفيفه يستخدم لعلاج النزلات المعوية، أما جذورها فكان يستخدمها الأجداد في صناعة السفن وأدوات الزراعة وأسقف المنازل، وكانوا يقوموا بصناعة مادة عازلة لأسطح المنازل الطينية من ورق السدر بعد دقه وخلطه بالماء».
وتتابع الباحثة حديثها عن أشجار الغاف، وتقول: «كان يطلق عليها شجرة «الرمول»، لأنها تقاوم درجة الحرارة والجفاف، ومن العجيب أنها تنمو في الصحراء الرملية، وتورق وتزدهر ثمارها في أشد درجات الصيف حرارة، وكانت أوراقها الغضة تستخدم في عمل السلطة، وتعد من الأعلاف الجيدة للحيوانات، وتستخدم جذوعها في عمل السياج للمنازل والمزارع، ومن أشهر أشجارها «غاف السكة» وتقع في واحة نخيل العين على فلج الداوودي، ويقال إن هذا الفلج يعود إلى عصور ما قبل الإسلام».
أما سمر «الأكاسيا» وهي من الأشجار الصحراوية المهمة في تاريخ سكان العين، فتقول عنها الظاهري: كانوا يستخرجون منها حطب «ليريبي» الذي يعتبر من أجود الأخشاب لاستخراج الفحم النباتي، وكانت هذه الصناعة منتشرة قديماً، وتصدر منتجاتها إلى أبوظبي ودبي، وكان نحل العسل يبني في جذوعها خلايا العسل الذي ينتج أجود الأنواع، ويسمى «العسل الشفائي»، ومن أشهر أشجار السمر «سمرة الموطى» وتقع بجوار كلية زايد العسكرية، وكانت هذه الشجرة تمثل استراحة للقوافل القادمة من سلطنة عمان عن طريق درب الجنوب، كما كان يتخذها الحطابون استراحة لهم، يضعون عندها أحمالهم، ويهزجون في الطريق إليها «هذه سمرة الموطى» «ولي يبانى يتخطى».
وتوصي الباحثة غاية الظاهري جميع الجهات المتخصصة والأفراد برعاية الأشجار المعمرة، قائلة: «هناك اهتمام من بعض الجهات المختصة كالبلديات، بالأشجار المعمرة، إلا أن الدمار الذي يلحق بها أسرع من تحركها، حيث تعاني شجرة الغاف القطع الجائر ما يتسبب بموتها وتشوهها، ولعل سبب ذلك أن العمالة التي تتولى عملية جذب الشجرة، ليس لها أي خبرة في تقليم الغاف، أيضاً كان للتوسع العمراني الحديث دور كبير في اجتثاث غابات من أشجار السمر والغاف».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"