تحديات اتفاق تقاسم السلطة في السودان

03:25 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أميرة محمد عبد الحليم *

اتجهت أطراف الأزمة السودانية في السابع عشر من الشهر الجاري إلى التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق لتقاسم السلطة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، في خطوة تبشر بانتهاء مرحلة خطرة من الصدام وانعدام الثقة والمشكلات الحادة بين قوى المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي، حيث دامت هذه الفترة لثلاثة شهور، وبرزت خلالها أحداث كارثية كان من أهمها فض الاعتصام أمام مبنى قيادة الجيش بالقوة، وما ترتب عليه من قتل أكثر من مئة مواطن ومئات من الجرحى، وبما كان يحمل نذر حرب أهلية .
إن إدراك المعارضة السودانية، وكذلك المجلس العسكري الانتقالي لطبيعة الأزمات الداخلية في السودان، وكذلك الأطماع الخارجية، ووجود الوساطة الإفريقية والإثيوبية إضافة إلى الدعم الخليجي والمصري، وكذلك الأمريكي، كل ذلك أسهم في دفع طرفي الأزمة إلى محاولة التهدئة والقبول بالوصول إلى اتفاق مبدئي لتقاسم السلطة.
وعلى الرغم من الآمال التي حملها توقيع اتفاق تقاسم السلطة بين قوى المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي والتي دفعت الوسيط الإثيوبي محمود درير للبكاء عند توقيع الاتفاق، حيث اعتبر هذا الاتفاق طوق نجاة للسودان وشعبها من السقوط في براثن العديد من الأزمات التي لن تتوقف عند حدود السودان، ولكن قد تؤدي للعصف بالاستقرار والتنمية في منطقة القرن الإفريقي بأكملها، إلا أن هذا الاتفاق يحمل العديد من المشكلات التي تمثل تحديات حاسمة بالنسبة لاستكمال ترتيبات المرحلة الانتقالية، وكذلك تنفيذ بنود اتفاق تقاسم السلطة خلال المرحلة الانتقالية ومن أهم هذه التحديات:
**الحصانة المطلقة لأعضاء المجلس السيادي:

فقد وقع الجانبان على وثيقة تسمى «الإعلان السياسي» بعد محادثات مكثفة، حيث يؤدي هذا الاتفاق إلى إنشاء هيئة حكم مدنية عسكرية انتقالية أو مجلس سيادي مدني - عسكري مشترك لحكم السودان خلال فترة انتقالية مدتها أكثر من ثلاث سنوات (39 شهراً) قبل الانتخابات. وسيتألف المجلس من خمسة مدنيين، وخمسة أشخاص من الجيش، وأما الشخص الحادي عشر، فيختاره المجلس. وسيتولى قائد عسكري رئاسة المجلس لمدة 21 شهراً، ثم يقوده قائد مدني لمدة 18 شهراً. كما اتفقوا على أنه سيكون هناك مجلس للوزراء، وفي حين ستختار المعارضة رئيس الوزراء، سيعين الجيش اثنين من المناصب الرئيسية، وهما وزير الدفاع والداخلية.
وسيجري تفصيل شروط أخرى للفترة الانتقالية في إعلان دستوري كان من المفترض التوقيع عليه يوم الجمعة ال 19 من يوليو/ تموز، إلا أن قوى المعارضة أرجأت هذا التوقيع، حيث لا تزال هناك خلافات حول كيفية تقاسم السلطة بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء والهيئة التشريعية. كما نص اتفاق تقاسم السلطة على وجود «لجنة تحقيق مستقلة» في أعمال العنف يوم ال 3 من يونيو / حزيران، ولكنها لم تحدد تشكيل تلك اللجنة. وأكدت فقط أن هذه اللجنة يمكنها طلب المساعدة من الاتحاد الإفريقي.
وتعد الحصانة المحتملة من الملاحقة القضائية للعسكريين المتهمين باستخدام العنف لقمع الاحتجاجات واحدة من العديد من القضايا الأساسية التي تثير الخلافات بين الجانبين، فمشروع الإعلان الدستوري - الذي لم يجرِ التوقيع عليه بعد، والذي سيحدد صلاحيات ووظائف المجلس السيادي - يتضمن بنداً يوفر الحصانة المطلقة لأعضاء المجلس السيادي ضد الملاحقة القضائية والمسؤولية المدنية. وهذا يعيق تحقيق العدالة، حيث لا يمكن أبداً الطعن في أعضاء المجلس العسكري في المحكمة. ومنذ اندلاع الاحتجاجات في ال 19 من ديسمبر / كانون الأول الماضي، قتل أكثر من 246 متظاهراً في أرجاء البلاد، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية، بينهم 127 شخصاً في ال 3 من يونيو خلال فض اعتصام قيادة الجيش في الخرطوم.
رفض الحركات المسلحة للاتفاق:

فقد أعلنت بعض الحركات المسلحة في السودان رفضها للاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وتباينت أسباب رفضها له. حيث تريد هذه المجموعات المتمردة أن ينص الإعلان الدستوري بوضوح على أن مباحثات السلام في الولايات التابعة لها توضع كأولوية قصوى فور تشكيل الحكومة الانتقالية. كما تريد إدراجها في الحكومة الانتقالية بعد توقيع اتفاقات السلام في هذه الولايات. وتطالب أيضاً بتسليم المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية، مثل الرئيس السابق عمر البشير.
وشكل رفض بعض الحركات الاتفاق تساؤلات عدة، إذ تدخل بعضها ضمن كتل سياسية موقعة على إعلان الحرية والتغيير، وهي جزء من هياكل تحالفاته، ومن هذه الحركات «حركة تحرير السودان» التي يقودها منى أركو مناوي، وهي أحد مكونات تحالف نداء السودان، وهو أحد ممثلي قوى إعلان الحرية والتغيير. وعلى الرغم من عقد قوى الحرية والتغيير لاجتماعات مع بعض فصائل الجبهة الثورية السودانية التي تضم طيفاً من الحركات المسلحة في السودان كان أحدهم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لدمج مطالب هذه الجماعات ضمن اتفاق تقاسم السلطة، فإن عدداً من هذه الجماعات أعلنت رفضها الاتفاق رداً على توقيعه.
وعقب توقيع اتفاق تقاسم السلطة اتجه عدد من قيادة الحرية والتغيير إلى أديس أبابا للاجتماع مع الحركات المسلحة، إلا أن هذا الاجتماع واجه العديد من المشكلات المرتبطة بتدخلات بعض الدول، وكذلك أطراف من نظام البشير السابق لإجهاض أي محاولة لجذب هذه الحركات، وضمها إلى اتفاق تقاسم السلطة، بما يسمح بعقد اتفاقات سلام معها، ويحول دون إفشال اتفاق تقاسم السلطة الأخير.
كما لا تزال هناك خلافات حول كيفية تقاسم السلطة بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء والهيئة التشريعية، وكذلك تشكيل الهيئة التشريعية (300 عضو)، حيث من المفترض أن يحظى تحالف الحرية والتغيير بثلثي مقاعدها، بينما الثلث المتبقي سيكون للأحزاب التي لم توقع على إعلان الحرية والتغيير، إلا أن المجلس العسكري أكد أن لديه الحق في مراجعة هذه النسب.
وتستمر حالة عدم اليقين لتحيط بالمشهد السياسي في السودان في ظل الخلافات المستمرة والتشكيك بين قوى المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي، وعدم إشراك كافة فئات المجتمع في اتفاق تقاسم السلطة، ومن هذه الفئات الحركات المسلحة التي تمثل تهديداً حقيقياً للاستقرار، وتهدد بتفكيك السودان، مع التباطؤ في تشكيل الهيئة التشريعية بما ينذر بظهور حالة جمود جديدة تكتنف اتفاق تقاسم السلطة، في الوقت الذي ينتاب كثيراً من المحتجين الكثير من المخاوف حول إمكانات نقل السلطة إلى المدنيين، ويؤكد بعض الخبراء أن اتفاق تقاسم السلطة أبعد ما يكون عن حل طويل الأجل للأزمة السياسية الشاملة في البلاد، ويصر الشارع السوداني على ضرورة تحقيق العدالة والقصاص لضحايا الحرية، مع استمرار سلسلة من المشكلات الاقتصادية الخطرة التي تبحث عن حلول لها في وسط هذا الكم الهائل من الضغوط التي باتت تحيط بالسودان.

* خبيرة الشؤون الإفريقية
- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"