تراجع الدولار يخفض العجز التجاري الأمريكي ... مارتن فيلدنشتاين

01:31 صباحا
قراءة 4 دقائق

أدى انخفاض قيمة الدولار أخيراً مقابل الين الياباني، إلى حد أصبح معه الدولار يساوي 100 ين، إلى نداءات كثيرة للتدخل في سعر الصرف . وأوضح بعض المؤيدين للتدخل ان سعر الدولار مقابل الين لم يصل إلى هذا المستوى المنخفض منذ العام 1995 وان قيمة الدولار انخفضت بنسبة تزيد على 20 في المائة منذ العام 2002 . ولكن اقتراحات التدخل تسيء فهم أهمية سعر 100 ين للدولار والانخفاضات الأخيرة في قيمة العملة الأمريكية والحاجة إلى زيادة التنافسية الأمريكية والآثار العكسية المحتملة للتدخل . وتُعتبر مقارنة سعر الصرف الحالي مع سعر 100 ين لكل دولار في العام 1995 مدعاة للتضليل بسبب الفروق في التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان . وفي الفترة من العام 1995 والعام 2007 ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة 37 في المائة في الولايات المتحدة ولكنها ظلت من دون تغيير تقريباً في اليابان (انخفضت بنسبة تقل عن واحد في المائة) . ويحصل المستهلك مقابل كل دولار يدفعه على مقدار من السلع يقل كثيراً عما كان يحصل عليه في العام 1995 في حين ان 100 ين تشتري المقدار ذاته من السلع في اليابان كما كانت تشتري في العام 1995 . وبما انه يتعين دفع 37 .1 دولار في الولايات المتحدة الآن لشراء ما كان يشتريه دولار واحد في العام ،1995 يجب ان يتعزز سعر الين ليصبح 73 يناً مقابل الدولار (بتقسيم 1 على 37 .1) لكي يشتري الدولار الواحد المقدار ذاته من السلع التي كان يشتريها في اليابان في العام 1995 .

وبالإضافة إلى ذلك، فإن المرء يخطئ إذا قرأ أكثر مما ينبغي في الانخفاض السريع الذي تعرض له الدولار أخيراً . فقيمة الدولار شأنها في ذلك شأن أسعار الأصول الأخرى تتقلب بدرجة كبيرة من سنة إلى أخرى، ولكن وعلى مدى فترات طويلة، تغيرت قيمة الدولار الحقيقية بنسبة طفيفة للغاية . وانخفضت قيمة الدولار الحقيقية المعدّلة في ضوء نسبة التضخم مقابل سلة عريضة من العملات بنسبة 7 في المائة فقط على مدى العشرين عاماً الماضية (أي بنسبة انخفاض تقل عن نصف في المائة في السنة) .

ودفع تراجع قيمة الدولار كثيراً من الناس إلى التحدث عن ضعف الدولار الحالي وتشجيع التدخل لوقف حدوث المزيد من انخفاض الدولار . ويخلط هذا الموقف الانخفاضات الأخيرة مع الضعف الجوهري . ويوضح العجز التجاري الأمريكي الضخم ان قيمة الدولار ليست ضعيفة وإنما هي قوية للغاية في الواقع . وبسبب قوة الدولار، فإن أسعار البضائع الأمريكية في الأسواق العالمية تجعلها تنافسية على نحو غير ملائم .

وعزز انخفاض الدولار خلال السنوات الخمس الماضية الصادرات وساعد على تقليص العجز التجاري، وارتفعت الصادرات الأمريكية الحقيقية بنسبة 17 في المائة خلال العامين الماضيين وانخفض العجز التجاري بنسبة 11 في المائة من الذروة التي وصل إليها في العام 2006 . ولكن العجز التجاري في العام الماضي ما زال يفوق ال700 مليار دولار أي ما يعادل 1 .5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي . وبما أن الواردات الأمريكية لا تزال تقترب من ضعف الصادرات الأمريكية، يتعين ان ينخفض الدولار بنسبة كبيرة للغاية ليتقلص صافي العجز .

وعلى الرغم من انخفاض الدولار أخيراً لا يزال لدى شركاء أمريكا التجاريين فوائض تجارية ضخمة ويفوق فائض اليابان التجاري 100 مليار دولار . وفي منطقة اليورو، يصل الفائض إلى حوالي 40 مليار دولار ويصل في الصين إلى 250 مليار دولار وفي روسيا إلى 140 ملياراً ويتجاوز 140 ملياراً في السعودية . وبالتالي، فإن الدولار الأكثر تنافسية لا يسبب مشاكل تجارية جوهرية لشركاء أمريكا التجاريين .

ويعكس الدولار المتراجع عدم رغبة المستثمرين في المحافظ الخاصة والعامة في أنحاء العالم أجمع في الاحتفاظ بالكميات الحالية من الأوراق المالية الدولارية على أساس معدل الفائدة وسعر الصرف الحاليين، ومن أجل حثهم على ذلك، ولزيادة أرصدتهم بمقدار ال700 مليار دولار المطلوبة لتمويل عجز الحساب الجاري الأمريكي للعام الحالي، يتطلب ذلك إما قيمة أدنى للدولار (بحيث لا يظهر خطر حدوث المزيد من الانخفاض للدولار) أو معدل فائدة أعلى (لتعويضهم عن أي انخفاض آخر في الدولار) . ومن الآثار الإيجابية للدولار المنخفض انه يعزز صافي الصادرات الأمريكية ويرفع بالتالي معدل النمو الأمريكي في وقت يشهد ضعفاً اقتصادياً عاماً . وبالمقابل، فإن أسعار الفائدة المرتفعة ستخفض الاستثمار الإجمالي والجوانب الأخرى للطلب الإجمالي . ولذلك فإن الولايات المتحدة كانت محظوظة لأن التعديل ازاء الانخفاض في الطلب العالمي على الأوراق المالية الأمريكية اتخذ شكل دولار ذي قيمة أدنى بدلاً من زيادة في مستوى أسعار الفائدة الأمريكية .

وان التدخل في أسعار الصرف لتعزيز الدولار ستكون ذات تأثير عكسي بشكل مضاعف . فإذا نجحت، ستجعل الدولار يزيد بينما الاقتصاد الأمريكي بحاجة لدولار أكثر تنافسية . وعلاوة على ذلك، فإن التدخل المنسّق مع اليابان سيشجع ويقنن الإجراء الياباني بخفض الين . وسيضيع التقدم الذي تحقق خلال الأعوام القليلة الماضية لجعل الدول الكبرى تسمح للسوق بتحديد قيمة عملاتها .

ويجب ان يدرك المستثمرون ومسؤولو السياسات ان تراجع الدولار الحالي جزء من عملية طبيعية لخفض العجز التجاري الأمريكي . وبالنظر إلى احتمال ضعف الاقتصاد الأمريكي خلال الشهور القليلة القادمة، فإن انخفاض الدولار والانخفاض الناتج في العجز التجاري يجيئان على الأرجح في موعد ملائم تماماً .

أستاذ لمادة الاقتصاد بجامعة هارفارد والمقال نشرته الفاينانشيال تايمز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"