سلطان وبيوت الشعر

عود ثقاب
04:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي
الشعر كالسيل الذي يستطيع بسطوة حضوره أن يصنع له تعرجات وتضاريس يمر من خلالها، ويرسم لجريانه طريقاً يبقى أثره حاضراً، ولأنه وجدان الأمة العربية وديوانها الخالد، فإنه قد يمرض فترة أو يخبو بريقه زمناً لكنه لا يموت، وحين ينهض فإنه يشبه طائر الفينيق الذي يقوم من بين ركام الزمن ليعلن عن حضور لافت كبير .
من أهم أحداث مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الثالثة عشرة لقاء صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بضيوف المهرجان، هذا اللقاء الذي منح المثقف والمبدع الحرية في أن يتحدث بصوت عال دون أن يقمع صوته أحد، بل ويتحاور ويتناقش حول رؤاه ومقترحاته مع أب حنون محب، هذا الأب الذي بدا من خلال حديثه مع ضيوفه في هذا المهرجان أنه مهموم بالثقافة، وأنه يفكر عن المبدعين، ويسبقهم إلى الحديث عن همومهم، ولا يقتصر على هذا بل ويتعداه إلى معالجة ما يحسون من ألم التهميش والغياب، ويوجه بالوصول إلى تلك الأماكن التي تختفي خلف جبال النسيان .
أصبحت الشارقة بفضل رؤية سموه قاطرة للجمال، ولذلك يرى المبدعون أنهم لابد أن يوصلوا إلى هذا الأب صوتهم، ولم يخب ظنهم أبداً، فقبل أن يلتقيهم سموه في أيام المهرجان، كان يلتقيهم في أوطانهم، ويوجه بإقامة الفعاليات وتوزيع الجوائز وتقديم الدعم لهم، فهو يرى أن كل جزء من الوطن العربي وكأنه جزء من جسده .
كان الشعور كبيراً، وكانت الفرحة عارمة، وليس بغريب في أن يقول بعضهم "ليت لنا في كل بقعة من عالمنا مثل هذا المحب"، محب حين يضع يده في أيديهم يشعرون بطراوة توحي لهم بمدى الألفة والقرب اللذين يحظون بهما، ومن خلال هذا الاهتمام وهذا الهم الذي يحمله سموه في قلبه يتضح جلياً مدى ما للثقافة والشعر من أثر وتأثير في الأمة، وأنه هو الهوية والمستقبل الذي يراهن عليه سموه، ولذا فهو يقدم كل الإمكانات التي تجعل العمل الثقافي سلساً يصل إلى الهدف بسهولة ويسر، هذا الدعم الملموس للجميع رسم صورة مشرقة وأملاً رائعاً لأنه آت من رجل من كثرة جوده تخشى أن تسأله عن شيء، وكأنه كما يقول الشاعر:
ولو لم يكن في كفه غير رُوحهِ
                               لجَادَ بها فليتقِ اللهَ سَائلُهْ
هُو البَحْرُ من أي النواحي أتيته
                              لُجتُهُ المعروفُ والجُودُ ساحِلُهْ
وليس بغريب على هذا الكريم في أن يحمل في قلبه هم الشعر وطموح الشاعر، فسموه يتطلع إلى أن يكون في كل بلد عربي بيت للشعر، يمارس فيه الشعراء حريتهم الإبداعية، ويعرضون تجاربهم ويحتفى بها من خلال طباعة كتبهم التي توثق لمسيرتهم الأدبية، فبدون التوثيق والكتاب قد تختفي الكثير من التجارب وتنتهي عند أول مراحل الفقد، وهذه الرؤية لا تبتعد عن الهدف السامي للشعر والذي فهمه العرب، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "تعلموا الشعر، فإن فيه محاسن تبتغى ومساوئ تتقى، وحكمة للحكماء، ويدل على مكارم الأخلاق"، وهذه البيوت مثلما تحتاج إلى المكان والدعم فهي تحتاج أولاً إلى الطاقات البشرية المؤهلة والقادرة على تفعيل دورها .
وقد حظي بيت الشعر في الشارقة من خلال اهتمام سموه ودعمه ومتابعته الحثيثة على حضور كبير لدى كل مبدعي وشعراء ونقاد الوطن العربي، وهم يرون أن هذا البيت أصبح أملهم في إيصال صوتهم الجميل، وقد التفت بيت الشعر في الشارقة إلى هذا الطموح متخذاً من الرؤية السديدة لصاحب السمو حاكم الشارقة وسيلة لتحقيق هذه الغاية، وهو يتطلع إلى أن يكون له إسهام كبير في إيجاد مظلة في شارقة سلطان لبيوت تنبض بالشعر العربي الجميل .

hala_ [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"