إفقار الطبقة الوسطى العربية

03:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

يخبرنا علم الاجتماع السياسي بأن استقرار المجتمعات الحديثة يقوم على عوامل عديدة، من أبرزها الطبقة الوسطى، ويعرّف عالم الاجتماع والسياسة الألماني ماكس فيبر الطبقة الوسطى بأنها «الطبقة التي تأتي اقتصادياً واجتماعياً بين الطبقة العاملة والطبقة الغنية»، وانطلاقاً من هذا التعريف، فإن توسع هذه الشريحة في أي مجتمع هو مؤشر استقرار متعدد المستويات، سياسياً، واقتصادياً، وقانونياً، واجتماعياً، ولهذا السبب أصبحت دراسة الطبقة الوسطى مسألة أساسية وحاسمة في علم الاجتماع السياسي، إذ لا يمكن قراءة مؤشرات الاستقرار، أو ديمومتها، في بلد من البلدان، من دون قراءة مؤشرات هذه الطبقة، من حيث الحجم، والثبات، ومستوياتها التعليمية، ومشاركتها في الناتج القومي، وطبيعة الثقافة التي تتبناها، وغيرها من المؤشرات، التي يمكن لها أن ترسم خريطة الطبقة الوسطى، وبالتالي خريطة المجتمع نفسه.
وفي محاولة لتعيين شروط دراسة الطبقة الوسطى، فإن علم الاجتماع السياسي، يقرن دراسة أحوال هذه الطبقة بما يسميه «شروط الرفاه» في المجتمع، وهو ما يسمح لعلماء الاجتماع والمختصين بإجراء دراسة مقارنة بين أحوال الطبقة الوسطى بين مجتمعين مغايرين، من حيث عوامل الرفاه، أي من حيث تطوّر الدولة نفسها، ومقاربتها للحداثة الصناعية، ومشاركتها في سوق العمل الدولي، كما تحدد الدراسات المقارنة فئة الدول الأكثر والأقل تحقيقاً لنواتج دخل قومية، قياساً لعدد السكان الإجمالي، وبالتالي يمكننا المقارنة اليوم بين أوضاع الطبقة الوسطى في بلد مثل الدنمارك، حيث يقارب متوسط الرفاه حوالي خمسة آلاف دولار، وبين بعض البلدان الأخرى، خصوصاً في آسيا وإفريقيا، ومن بينها الدول العربية.
وخلال السنوات الأخيرة، عرفت الطبقة الوسطى العربية، حالة من الانزياح نحو الطبقة الفقيرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وبحسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة في مصر، في يوليو/‏ تموز 2016، فإن نسبة الفقر ارتفعت من 24% في عام 2010، إلى 30% في عام 2016، وبالتالي فإن نسبة 6% من الفقراء الجدد هم من أبناء الطبقة الوسطى، وأصبح عدد الفقراء في مصر حوالي 30 مليوناً، بحسب الإحصاء السابق نفسه، وهو ما يعني تراجعاً كبيراً في حجم الطبقة الوسطى المصرية.
حال الطبقة الوسطى في العديد من البلدان العربية ليس بأفضل من حال هذه الطبقة في مصر، ففي تونس، التي تمكنت من تجاوز الآثار الكارثية لحركات «الربيع العربي»، فلم تدخل في حروب داخلية وخارجية، على غرار بلدان أخرى، شهدت حركات احتجاجية، ابتداء من عام 2010، لكنها في الوقت ذاته، عرفت انكماشاً اقتصادياً وتدهوراً كبيراً في أحوال الطبقة الوسطى، والتي أصبحت تستهلك قسماً كبيراً من دخلها في تلبية الاحتياجات الأساسية، وفي بلدان أخرى، مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، لم يعد بالإمكان الحديث، عن طبقة وسطى، في ظل انعدام الأمن، والاقتتال الداخلي، وفي ظل انحسار دور مؤسسات الدولة، وتراجع بيئات العمل المختلفة، ولجوء الملايين من أبناء هذه الدول إلى الخارج، وانهيار البنى الأساسية والخدمية بشكل كارثي، وهو ما يعني، بطبيعة الحال، تراجع شريحة الطبقة الوسطى، لمصلحة ازدياد شريحة الفقراء والمعدمين.
أحوال الطبقات، من إنتاج، ودخل مادي، ومستوى تعليمي، ورفاه، وثقافة، لا تنفصل عن طبيعة الدول، وأنظمتها السياسية، ومستويات التنمية، أو مستويات انتشار الفساد، أو مستوى نفاذ القانون، وبالتالي فإن تراجع نسبة الطبقة الوسطى لعموم المواطنين، في معظم الدول العربية، هو مؤشر على تراجع أداء الدولة ونظامها السياسي
لقد غابت، خلال السنوات الماضية، إلى حد كبير، الدراسات حول أسباب الوصول إلى انسداد الأفق التاريخي، وقيام حركات احتجاجية، في عدد من البلدان العربية، وانزلاق بعضها إلى حروب داخلية، وتمسك النخب السياسية، التي وضعت يدها على الثروات والاقتصاد، بمقاليد الحكم، والطريقة التي أسهمت فيها بتراجع أسباب التوازن في المجتمع، ومن أهمها تراجع الطبقة الوسطى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"