الأحلام العثمانية ما زالت صاحية

03:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحّاب

منذ أن بدأ نجم رجل السياسة التركية رجب طيب أردوغان، بالبزوغ باعتباره زعيم الموجة الأخيرة الناضجة في صيغة تقدم التيار الإسلامي في تركيا لانتزاع مقاليد الحكم من التيار العلماني الأتاتوركي، كان اسم أردوغان يرتبط لدى عدد من الباحثين والمعلقين السياسيين، بالحديث عن امتلاك الرجل لأحلام تجديد عظمة الامبراطورية العثمانية، التي تلقت ضربة قاتلة وانهارت تماماً بعد أربعة قرون من النجاح والازدهار، في نهاية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918).
كان هناك فريق آخر من الباحثين والمعلقين لا يرى في هذه الصفات العثمانية التي حاول البعض منذ البداية إلصاقها باسم أردوغان ومسيرته السياسية المبكرة، أكثر من مبالغات واستعارات شكلية من أحداث التاريخ القديم، ومطابقتها على مسيرة التاريخ الحديث.
لكن أردوغان كان قد اندفع بقوة في مسيرته السياسية، غير عابئ بتحليلات المحللين، فإذا به يقوم بذلك الاستعراض السياسي في مجال قضية فلسطين، عندما هب في أحد المؤتمرات في سويسرا، بوجه شمعون بيريز (رئيس الكيان يومها)، وانسحب بحركة استعراضية من مواصلة الاستماع لكلمته.
يومها، قارن المحللون بين «قوة» حركة أردوغان و«ضعف» حركة الأمين العام لجامعة الدول العربية يومها، عمرو موسى، الذي بقي جالسا يتابع كلمة بيريز. بعد ذلك، قامت الدولة التركية في عهد رئاسة أردوغان للحكومة، بالمواجهة البحرية الصاخبة مع «إسرائيل»، في إطار بعثة «أسطول الحرية» في محاولة لكسر الحصار «الإسرائيلي» عن غزة.
ومع أن الناتج النهائي لهذين التحركين، لا يتجاوز حدود الصفر، في حسابات هذه الأيام، فإن النجاح الاستعراضي الذي حققه أردوغان منهما، ومن تحركات أخرى مماثلة، قد لفت النظر، إلى أن الرجل يحمل فعلاً أحلام تجديد عثماني للسياسة التركية، بغض النظر عن قدرته على تحويل الأحلام في أشكال استعراضية، لا وزن حقيقيا لها، إلى واقع سياسي على الأرض، يذكّر ولو من بعيد بالمدى الواسع الذي ظلت الامبراطورية العثمانية الغابرة تمارس من خلاله نفوذها الامبراطوري، طوال قرون أربعة على الأقل.
لكن هذه المسألة ما لبثت أن اتخذت أبعاداً أكثر جدية، منذ بروز دور تركي واضح، في الأزمة السورية المشتعلة، حيث ثبت عملياً أن الحدود التركية السورية، كانت (وما زالت) الخط الجغرافي الرئيسي الذي تتسلل منه جحافل المقاتلين من كل التنظيمات المتطرفة، التي تتدفق للقتال في سوريا، تنفيذاً لدور أمريكي في لعبة الأمم التي تسيطر على الأزمة السورية، منذ ثلاث سنوات على الأقل.
ولم يكن هذا الخط الجغرافي مدخلاً لجحافل المقاتلين فقط، بل قاعدة لتزويدهم الدائم والمستمر بالعتاد والذخيرة والتموين، وكل اللوازم اللوجستية للمعارك الطاحنة الدائرة.
صحيح أن تركيا تؤدي بذلك دوراً صغيراً في لعبة الأمم الكبرى الدائرة، وتزكي عضويتها في حلف الأطلسي الذي تقوده السياسة الأمريكية، لكن تحركات معينة برزت مؤخراً تجعلنا نشتم، إضافة إلى لعب دور ما في لعبة الأمم، رائحة أحلام أردوغان الحقيقية على ما يبدو، في إحياء العظمة العثمانية لتركيا، شكلاً ومضموناً.
فعندما انطلقت القوات التركية الرسمية تخترق الحدود الدولية للدولة السورية، فيما سمي «درع الفرات»، لم يكتف أردوغان بعدم التنسيق الرسمي مع الدولة السورية، بل أمر بأن تتحرك قواته الغازية في عملية «درع الفرات»، على أنغام النشيد العسكري الذي سارت القوات العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول في العام 1516، على نغماته، نحو معركة «مرج دابق»، التي كانت مقدمة لإخضاع الوطن العربي بأكمله للنفوذ العثماني حتى العام 1918.
إنها صورة سياسية وعسكرية وجغرافية معقدة، تبدو فيها اللعبة الصغرى (أحلام العظمة العثمانية الأردوغانية) تدور داخل إطار اللعبة الكبرى، لعبة الأمم بين أمريكا والحلف الأطلسي من جهة، وروسيا وحلفائها، من جهة ثانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"