الأسباب التاريخية لقرار ترامب

03:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحّاب

لا يجوز أبداً أن ننسب القرار الرئاسي الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لدولة «إسرائيل»، إلى اعتلاء رئيس متشدد سدة البيت الأبيض في واشنطن. فقرار الكونجرس الأمريكي المطابق لإعلان ترامب الأخير بشأن القدس قائم منذ العام 1995. وكان كل مرشح أمريكي للرئاسة يتبنى قرار الكونجرس هذا في حملته الانتخابية، ويعد اللوبي اليهودي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتطبيقه إذا وصل إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض لكن كل المرشحين الذين تحولوا إلى رؤساء بعد الفوز في الانتخابات أجمعوا (قبل ترامب)، على التراجع عن إنجاز هذا الوعد الانتخابي، بما في ذلك الرئيس السابق باراك أوباما، الذي ظل لمدة ثماني سنوات، هي فترة ولايتَي رئاسته الأولى والثانية، يوقع كل ستة أشهر على تأجيل تنفيذ قرار إعلان القدس عاصمة ل«إسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية إليها.
الآن، ما الذي جعل الكونجرس الأمريكي يصدر قراره بلا تردد في العام 1995؟، وما الذي جعل كل الرؤساء الأمريكيين بعد ذلك يترددون في تنفيذ القرار ويؤجلونه لفترة الرئيس المقبل؟، وما الذي دفع ترامب أخيراً إلى تبني القرار رئاسياً، قبل مرور العام الأول على ولايته الرئاسية؟
الجواب على السؤال الأول يقول بوضوح إن العام 1995، عام إصدار الكونجرس للقرار، جاء تتويجاً للخطأ التاريخي الذي ارتكبته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، برعاية ياسر عرفات يومها، بإعلان وقف مرحلة المقاومة الفلسطينية، وتحويل الإصرار على التمسك بكامل الحقوق التاريخية لشعب فلسطين، إلى إبقاء القضية بأسرها في أحضان المشروع الصهيوني- الأمريكي، الذي هو خصم الحقوق الفلسطينية، وليس «الحكم»، كما هو التوقيع الفلسطيني على اتفاقية أوسلو.
لقد جاءت اتفاقية أوسلو في العقد الأخير من القرن الماضي، تعلن الدخول التاريخي للحركة الوطنية الفلسطينية، في عصر كامب ديفيد، الذي أعلن على يدي الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، خروج مصر من الصراع العربي- «الإسرائيلي»، مفتتحاً عصر التراجع العربي التاريخي، في هذه القضية المصيرية.
أما في الجواب على السؤال الثاني، لماذا تردد الرؤساء الأمريكيون حتى اليوم في تنفيذ قرار الكونجرس، فهو بكل بساطة، أن هؤلاء الرؤساء، الحريصين جداً على المصالح العليا للنفوذ الأمريكي في هذه المنطقة الحساسة من العالم، كانوا يرون أن عصر كامب ديفيد الساداتي، لم يشهد بعد دخول سائر الأنظمة العربية في إطاره التاريخي، إطار التنصل من أساسيات القضية الفلسطينية وأن اتفاقيات أوسلو، رغم خطورتها على القضية، ليست أكثر من إعلان الدخول الفلسطيني في عصر كامب ديفيد وإيديولوجيته. كانوا بانتظار الدخول العربي الشامل هذا العصر التراجعي. ولولا ذلك لما تردد أول رئيس أمريكي بعد العام 1995، في الإسراع بالتبني الفوري لقرار الكونجرس الأمريكي بشأن مدينة القدس.
اليوم، يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة، سواء كانت جمهورية (كما هي فعلاً) أو ديمقراطية، أصبحت مقتنعة بأن الساعة التاريخية للتراجع العربي الشامل عن مستلزمات الصراع العربي - «الإسرائيلي»، قد دقت. وما وصول ترامب إلى سدة البيت الأبيض سوى لزيادة الحركة الدرامية في هذا القرار الذي كان أي رئيس أمريكي، في أي اتجاه، يطأ عتبات البيت الأبيض في واشنطن، سيتخذه، وهو قرار تصفية القضية الفلسطينية، كحل لها، تحت عنوان براق خادع هو «صفقة القرن».
لم يعد أمام العرب سوى محاولة الخروج ولو المتدرج من عصر كامب ديفيد الساداتي وعصر أوسلو الفلسطيني، لاستعادة الإطار التاريخي للصراع العربي -«الإسرائيلي»، الذي من علاماته الأساسية، عدم انتصار حل القضية من التحالف اليهودي- الأمريكي، بل من إرادة الشعوب العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"