الجولان وسياسة الإدارة الأمريكية

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأييد سيادة «إسرائيل» على مرتفعات الجولان المحتل الذي كانت أعلنته في ديسمبر(كانون الأول) من العام 1981 ، لن يغير من كونها أرضاً سورية محتلة ، بحسب القانون الدولي، ولكنه مؤشر على أن الإدارة الأمريكية الحالية انتقلت من دعم «إسرائيل» الذي اعتمدته الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إلى مرحلة متقدمة، تعني تصدرها بل وقيادتها للعدوان «الإسرائيلي»، ليس على سوريا فقط، وإنما على العرب مجتمعين.
فالموقف الأمريكي الذي يأتي بعد سلسلة من القرارات المنحازة إلى جانب «الطغمة العسكرية»في «إسرائيل» وفي مقدمتها قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان لا يقدم دليلاً جديداً على تخندق واشنطن في الخندق «الإسرائيلي» ضد العرب وحسب، وإنما يدل على أن الرئيس الأمريكي رجل لا يقرأ التاريخ، وأنه يتعامل مع السياسة ببراغماتية هوجاء ، لا تمتلك الرصانة والمنطق المطلوبين في التعامل مع قضايا العالم وأزماته وصراعاته الكثيرة.
فليس من عاقل إلا ويدرك أن قرار الرئيس الأمريكي إنما يأتي في سياق تحقيق مصلحة مشتركة بينه وبين رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو،حيث يجد ترامب المحاصر بفضائح الفساد وفضائح خرق القانون الأمريكي بسبب الدور الروسي المفترض في الانتخابات التي قادته إلى هرم السلطة في الولايات المتحدة، نفسه بحاجة ماسة إلى دعم اللوبي «الإسرائيلي» الأمريكي، الذي يتمتع بالنفوذ الأقوى، من أجل مواجهة معارضيه الذين صعّدوا من حملتهم ضده مؤخراً.
وحال نتنياهو ليس بأفضل من ترامب، إذ يواجه أيضاً باتهامات بالفساد عشية إجراء الانتخابات التي ستجري في «إسرائيل «في أبريل/ نيسان المقبل. وبالتالي فإن الموقف الأمريكي لا يعدو كونه تعبيراً عن صفقة المصالح القائمة بين الطرفين ، لكن المهم في الأمر هو أن السياسة الترامبية ستؤدي إلى إسقاط خيارات الرهان على حلول سياسية، في المنطقة وتدفع إلى مزيد من التوتر، بل وسوف تؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة المواقف «الإسرائيلية» المتطرفة، ما يهدد بإشعال المنطقة بأسرها، وهو ما ذهبت إليه الكثير من الصحف الغربية والأمريكية على وجه الخصوص، حيث وصفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية موقف ترامب من ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة بأنه خطأ، لأنه يخالف ركائز النظام العالمي لما بعد اتفاق عام 1945 الذي يؤكد على أن لا إمكانية لأيّ دولة تغيير الحدود بالقوة ، معتبرة أنّ ترامب أطاح بهذا التفاهم.
وبعد إعتراف الرئيس الأمريكي بسيادة «إسرائيل» على مرتفعات الجولان المحتلة، أثبتت ردود الفعل العربية والدولية الرافضة والمنددة بهذا الموقف، ابتعاد السياسة الأمريكية عن المجتمع الدولي ، حيث ردت الحكومة السورية في بيان لها بأن هذه التصريحات تظهر التحيز الأمريكي الأعمى ل»إسرائيل» فيما توالت ردود الأفعال العربية والدولية على الموقف الأمريكي الجديد ، مؤكدة أن الجولان أرض سورية محتلة، وقد أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن الموقف الأمريكي يتعارض بشكل كامل مع القانون الدولي ، وتصريحات الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني وإعلانه أن تصريحات ترامب لن تغير من الحقيقة الثابتة التي يتمسك بها المجتمع الدولي والأمم المتحدة وهي أن مرتفعات الجولان العربية أراض سورية محتلة ، ومواقف معظم الدول العربية والإسلامية ، وصولاً إلى المواقف الأوروبية الكثيرة المعارضة للمواقف الأمريكية، والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على العزلة السياسية الأمريكية عن العالم ، ومجافاتها الواضحة لكل القوانين والأعراف الدولية.
وأخيراً ، على رغم سلبية المواقف الأمريكية، وما يمكن أن تلحقه من أذى وعرقلة للمساعي الدولية للسلام في المنطقة، إلا أنها بكل تأكيد لن تستطيع تغيير ثوابت التاريخ، وأهمها أن مصائر الشعوب وحقوقها لا يمكن أن تكون رهينة بأيدي أية قوة مهما بلغت ، وفي التاريخ مئات بل آلاف الشواهد التي حاول خلالها المحتلون والطغاة فرض إراداتهم على الشعوب، لكنهم اندحروا في نهاية المطاف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"