النظام الدولي ودول الهامش

03:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

ما يُسمى النظام الدولي، والمركب بالطبع كنتيجة لتأسيس الأمم المتحدة في عام 1945، هو نظام للأمن والاستقرار الأممي، مهمته بالدرجة الأولى ضمان مصالح الدول العظمى، التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية؛ وهي ذاتها الدول الفاعلة في عملية تقسيم العالم الدولي، إضافة إلى ألمانيا التي عادت؛ بفضل مشروع مارشال الأمريكي، لتكون أحد اللاعبين الرئيسيين في سوق العمل الدولي، الذي اعتمد حتى بداية تسعينات القرن الماضي على الصناعات الثقيلة، قبل أن تدخل العولمة الرقمية على الخط، وتغيّر الكثير من معادلات الإنتاج؛ من حيث الطبيعة والشكل والأسواق.
وفي النظام الدولي المشرف على أسواق العمل، هناك المنتجون والمستهلكون، ولا يتوقف الإنتاج على البضائع فقط، وإنما على الأفكار، والتي تشتغل، بدرجة كبيرة، في الصراع على تقاسم النفوذ والأسواق. فنظام الهيمنة الدولي يتطلّب عدّة إيديولوجيات تتناسب مع المصالح، وليست وظيفة الإقناع الإيديولوجي إلا واحدة منها، بينما المهمة الرئيسية تكمن في السيطرة، وخلق سلطات في دول الهامش، تدور في فلك الدول المهيمنة. فاستخدام الإيديولوجيا يبقى أقل كلفة من الحروب، طالما أن حسم المعارك لا يحتاج إلى أسلحة، مع أن الأسلحة جاهزة دائماً للاستخدام، في حالات كثيرة، فهي الأخرى تنتمي إلى تقسيم سوق العمل الدولي، وأحد منتجاته الأكثر مبيعاً.
لقد استخدمت المنظومتان الإيديولوجيتان الأكثر تأثيراً، الاشتراكية والليبرالية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ من أجل استقطاب دول الهامش، ومنها بالطبع دول العالم العربي، ولقد دارت جميع الدول العربية، على اختلاف ظروفها الاجتماعية والاقتصادية، وعلى الرغم من مستويات التطور غير المتطابقة، في فلك المنظومتين السابقتين، فقد نادت الإيديولوجية الاشتراكية.. بالعدالة الاجتماعية وحقوق العمال والفلاحين وتأميم القطاعات الإنتاجية والأرض؛ لكن من الناحية الفعلية، فقد أتت تلك الإيديولوجيا بطبقة حزبية/عسكرية إلى سدّة الحكم في الكثير من بلدان العالم العربي. في المقابل، فقد دارت دول أخرى في فلك الغرب، خصوصاً دول الريع النفطي، في صفقة تاريخية، تضمن تدفق النفط بأسعار معقولة؛ لاستمرار الصناعات الكبرى، مع ميل دائم لاستخدام شعارات؛ من مثل: الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات؛ كتهديد لتلك الأنظمة، عندما تحاول اتخاذ قرارات لا تتوافق مع مصالح الغرب.
كان سقوط الاتحاد السوفييتي مقدمة لانهيار إيديولوجي كبير، كشف عن الوجه الحقيقي للأنظمة الشمولية في دول الهامش، والتي استمرت، دون أي مراجعة لصياغة أدوار جديدة، تستهلك خطابها القديم في ممانعة الغرب، بعد أن نمت في تلك السلطات أجيال جديدة من الانتهازيين ومحدثي النعمة، ما أسهم في ضياع فرصة تاريخية للقيام بمراجعات كبرى، في مقدمتها مراجعة العلاقة بين السياسة ومقومات الوطنية الصرفة، وضرورة أن تكون السياسات، وأن يكون الحكم، مستمداً من المصالح الوطنية، ومصالح الفئات الشعبية؛ لمنع انفتاح المسألة الوطنية على الخارج، وهو ما جرى فعلياً في عدد من الدول العربية، بعد عام 2011.
أيضاً، دعوات الغرب إلى الديمقراطية والحريات والتعددية السياسية وحقوق الأفراد هي دعوات إيديولوجية، وجزء لا يتجزأ من أدوات القوة الناعمة. ففي حقيقة الأمر أن الغرب ينظر إلى الدول الهامشية بوصفها منبعاً للثروات وأسواقاً لتصريف البضائع، فقد شاهدنا كيف تصرفت واشنطن والغرب في أفغانستان والعراق، ولا تزال نتائج التدخل الغربي السلبية تفعل فعلها في الساحتين المذكورتين، كما أن موقف الغرب من المسألة السورية لم يكن بأفضل حالاً.
العالم العربي محكوم بتناقضات كثيرة، في مقدمتها اللحظات التأسيسية لبعض دوله، وتبعية السياسات الوطنية للخارج، ولا يقتصر الأمر هنا على السلطات الرسمية؛ بل إنه يمتد إلى المعارضات نفسها، فما زالت القضية الوطنية تستخدم كشعار في الصراع، من دون بذل أي جهد فكري وسياسي؛ لبلورة القضية الوطنية، وإعادتها، أو استعادتها من الخارج، وتحريرها لمصلحة الهوية الوطنية، والتي يجب أن تسمو فوق أي إيديولوجيا أو هوية فرعية.
إن النظام الدولي لا ينظر إلى الدول الهامشية على أنها دول حقيقية، كما أن قضايا شعوبنا، وعلى الصعد كافة لا تعنيه، وقد صرف العالم العربي عقوداً طويلة في بناء سياسات وشرعيات تقوم على الخارج، وقد أثبتت تلك السياسات فشلها في إحداث أي نهضة حقيقية؛ بل زادت من مواطن الضعف في البنى الاجتماعية والاقتصادية، وإذا كان ثمة من درس تقدمه لنا السنوات السابقة فهو الحاجة إلى إعادة تعريف الهوية الوطنية، وما تحتاج إليه من بنى مطابقة؛ للنهوض بالواقع الداخلي من جهة، وبناء علاقات متوازنة مع النظام الدولي من جهة أخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"