حل قضية فلسطين أم تصفيتها؟

03:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحّاب

قبل أن يستقر دونالد ترامب في كرسيه كحاكم جديد لإحدى أعظم القوى العالمية المتحكمة بتفاصيل أوضاع السياسة الدولية في شتى أرجاء العالم، بل حتى قبل أن تتضح صورة هذا الحاكم الجديد لحلفائه في الاتحاد الأوروبي، ولبقية حلفائه في سائر أرجاء الكرة الأرضية، وخصومه أيضاً في كل مكان، صدرت عن أوساط الإدارة الأمريكية لترامب إشارة غريبة ومفاجئة بالسعي إلى إيجاد حل لقضية فلسطين من خلال عقد مؤتمر ثلاثي في الأردن أو مصر، يحضره إلى جانب الولايات المتحدة، ممثلون عن الطرفين «الإسرائيلي» والفلسطيني. ولعل أوضح ما في هذه الدعوة الغامضة هو عدم ورود عبارات مثل حل نهائي، أو حل عادل، أو حل شامل، أو حل وفق القوانين الدولية ذات العلاقة، الصادرة منذ العام 1947 عن منظمة الأمم المتحدة، لكن العبارة السائدة في وصف غرض هذه الدعوة هو فرض السلام على كل من الفلسطينيين و«الاسرائيليين».
طبعاً، فإن الطابع السطحي الذي أحاطت به الدعوة الأمريكية إحدى أشد القضايا الدولية تعقيداً ووضوحاً في الوقت نفسه، هو الابتعاد الشاسع عن الأصول التاريخية للقضية، مع أن الوقت الذي مر على قيامها لم يتخط ثلاثة أرباع القرن بعد، كما أن التفات الإدارة الأمريكية إلى هذه القضية التي لعبت فيها الدولة الأمريكية أبشع الأدوار منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، يثير الكثير من الريبة والشكوك والظنون السيئة، حول التوقيت الذي أطلقت فيه هذه الدعوة بصورة عاجلة، قبل أن تتضح صورة ترامب كحاكم جديد لا في الداخل الأمريكي (وهو الأهم)، ولا عند الحليف الأوروبي، ولا عند الخصوم من القوى الكبرى والصغرى، الموزعة على سائر الكرة الأرضية.
فمن الواضح أن مطلق الدعوة الأمريكية قد تعمد استغلال أسوأ توقيت ممكن، لصالح الجانب العربي والفلسطيني، ليطلق فيه مثل هذه الدعوة. خاصة وأن مراكز الأبحاث الأمريكية، والدوائر الحاكمة، هي من بين أفضل العارفين بأن أصول القضية تاريخياً لا تعود إلى خلاف سياسي على قطعة أرض، بين طرفين، بل إن أحد هذين الطرفين (الطرف «الإسرائيلي»)، لم يكن له قبل العام 1948 أي وجود سياسي على أرض فلسطين العربية، سوى جحافل من اللاجئين الذين يتجمعون قسرا على أرض فلسطين العربية، من شتى أرجاء العالم، للمساعدة العملية على إقامة المشروع الذي ولد منذ منتصف القرن التاسع عشر، في مكاتب الخارجية البريطانية والفرنسية، لمواجهة الأخطار التي أحسوا بها من حملة محمد علي باشا على الإمبراطورية العثمانية، بعد أن هددت هذه الحملة الإمبراطورية، والنفوذ الدولي الاستعماري بداخلها، إلى تخوم العاصمة الآستانة.
هذه لمحة عن الجذور المعروفة للجميع، أما عن الحاضر، فإن السلطة الفلسطينية، المدعوة كطرف يشارك في الحل المطروح، ولا يملك من أمره سوى قبول أو رفض التوقيع عليه، فمن الواضح أن السلطة الراهنة، أصبحت فاقدة الشرعية في تمثيل شعب فلسطين، المشتت بين الأراضي المحتلة في العام 1948، والضفة الغربية وغزة، وسائر مواقع الشتات العربية والدولية. والمعروف أيضا، بالنسبة للتوقيت، أن هذه اللحظة التاريخية هي أخطر لحظات الضعف الذي أصاب قضية فلسطين بما تمثله تاريخيا، في صميم اهتمام الدول العربية بأنظمتها الرسمية في هذه القضية.
إنها إذن، من حيث التوقيت اللحظة الأكثر مناسبة لتصفية القضية باسم إيجاد حل لها،
فليس غريبا أن الدعوة الأمريكية لم تتضمن ولو كلمة واحدة، أو إشارة عابرة، إلى حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، ولا إلى كلمة أخرى عن رأيها في نشاط الاستيطان «الإسرائيلي» في القدس وسائر أرجاء الضفة الغربية، ربما لأن إدارة ترامب رغم أن عمرها السياسي لم يتجاوز الأيام المعدودة بعد، إلا أنها من أنصاره مؤيدي وممولي سياسة الاستيطان.
في مثل هذه الحالة، وكما تشير بوضوح العبارات التي صبغت بها الدعوة الأمريكية، فليس هناك نية في إيجاد حلول لمحو آثار الجريمة التي ارتكبت أساسا في العام 1948، وما تلاها من نتائج حرب 1967، كل ما هو مطلوب فرض السلام بشكل عام، تأسيسا على الثوابت «الاسرائيلية» التي ليس لإدارة ترامب الجديدة أي كلمة نقد أو اعتراض بشأنها، بل إن لها كل التأييد الأمريكي بلا حساب.
أما طرف السلطة الفلسطينية، فليس أمامه سوى القبول المبني على تنفيذ كامل لسائر بنود المشروع الصهيوني- الاستعماري، بالسيطرة على كامل أرض فلسطين التاريخية، وتحويل شعبها إلى مجرد خدم للمشروع الصهيوني.
فهل للسلطة الفلسطينة الراهنة القدرة على مجرد قول لا لمثل هذه الحلول ورفض التوقيع على تصفية القضية؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"