غرابة الرهان على هياكل الماضي

05:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني هذه الأيام في رام الله، لن يجيب على جملة التحديات التي يفرضها الواقع القائم، وذلك بسبب تركيبة هذا المجلس والدور المنوط به. وابتداء فإن صيغة المجلس تبدو متقادمة، فقد كان يسمى برلمان المنفى، وقد فقد هذه التسمية بانعقاده في العاصمة الإدارية المؤقتة للسلطة، من دون أن يكتسب صفة برلمان الوطن. وكان الأحرى المضي قُدُماً في انتخابات تشريعية ورئاسية، تدفع المواطنين للمشاركة في اختيار ممثليهم وتملأ الفراغ التشريعي، وذلك بدل عقد جلسة لمجلس لم يعد يملك صفته التمثيلية السابقة.
ومع الأخذ بالاعتبار أن ثلث الأعضاء يمثلون اتحادات نقابية ومهنية، فإن هؤلاء وفي حال تجديد انتخابهم داخل أطرهم النقابية والمهنية هم من يملكون صفة تمثيلية. اما الثلث الثاني الذي يضم المستقلين فلا أحد يعلم على أي أساس يتم اختيارهم، ومن الذي يقوم بالاختيار، من دون أن يُقصد بهذه الملاحظة التشكيك بكفاءة أحد أو أهليته، إذ إن الملاحظة تنصب حول التساؤل عن طريقة الاختيار ومن يقوم به، ولا تتعلق بأشخاص المستقلين. أما الثلث الباقي فيضم الفصائل، وبعضها تآكل وجوده وتقلص.
أما المسألة الأكثر أهمية فتكمن في أن بعض الفصائل تقاطع هذا الاجتماع، وتتركز ملاحظات المقاطعين على أن مكان انعقاده في رام الله يحرم ويمنع أعضاء هذه الفصائل من المشاركة بسبب المحظورات الأمنية ومنع سلطة الاحتلال المتوقع لأعضاء هذه الفصائل من الوصول إلى مكان الانعقاد. وهي حجة لا تخلو من صواب، وإن كان يمكن الرد عليها بإمكانية المشاركة عن بُعد، عبر وسائل الاتصال التقنية. غير أن الأصعب من ذلك أن هذا المجلس ينعقد في ظروف الانقسام المعروف والذي لم تفلح إعلانات المصالحة في وضع حد له. فحركة حماس تقبل بالتخلي عن المرافق والمؤسسات المدنية، وترغب في الاحتفاظ بوجودها الأمني في قطاع غزة. ومن جهة أخرى فإن السلطة في رام الله ما انفكت تطبق قرارات بحق الموظفين ورواتبهم، وكذلك بتقليص تزويد القطاع بالكهرباء وحتى بالأدوية، وهي عقوبات جماعية يتضرر منها أبناء القطاع الذي ينوؤون في الأصل تحت وضع اقتصادي خانق، وذلك مع التوقف شبه الكلي لحركة تنقل الأفراد بين حدود القطاع وخارجه،وكذلك توقف حركة الاستيراد والتصدير من وإلى القطاع.
وعليه وفي ضوء هذا الإيجاز فإن المجلس الوطني لم يعد يملك تلك الهالة التي كان يتمتع بها قبل نشوء السلطة. والراجح أن غالبية أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة لا يعلمون الكثير عن هذا المجلس الذي لم ينعقد سوى مرتين خلال ربع القرن الأخير، والأجيال الشابة بالذات لا تدري عن أمر هذا المجلس صفته وصيغته من الخارج (من المنفى)، ومن المثير للانتباه انه يضم بالدرجة الأولى كبار السن سواء كان في رئاسة المجلس أو رئاسة السلطة أو قادة الفصائل الذين يختزنون تجربة العمل الوطني في الخارج، وبدون احتكاك مع تعقيدات الوضع في الداخل. وليس ادل على صفته الضيقة ان النقاشات حوله تدور بين ممثلي الفصائل حصراً ولا تشمل ممثلي المجتمع في الداخل. وهي حالة متكررة كانت تصاحب انعقاد هذا المجلس منذ نحو نصف قرن وما زالت ترافقه.
ويغدو الأمر مثاراً للدهشة إذ ترتفع راية منظمة التحرير كجهة سياسية عليا. وللمنظمة تاريخ مجيد حقا في بلورة الهوية والكيانية الوطنية. لكن منظمة التحرير ككيان وجسم سياسي ذابت في أتون السلطة منذ نشوئها في العام 1993، ووجودها يتمثل في الداخل وبصورة تزداد تقلصاً ويتخذ طابعا شبه بيروقراطي، فيما اضمحل وجودها في الخارج وهي التي أنشئت أصلاً لغايات تمثيل الشتات.
وعليه وبدلاً من الرهان على هياكل الماضي (من دون أن ندعو إلى هدم هذه الهياكل..)، فإن الحاجة تستدعي ردم الفجوة بين السلطة وشعبها بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، وقطع الطريق على الاحتلال الذي يرغب بأن يستمر الفراغ التشريعي والتمثيلي، لإضعاف مناعة السلطة السياسية والتشكيك بتمثيلها لشعبها، مع وجوب التعامل مع غزة وأبنائها باعتبارهم جزءا أصيلا من الشعب، وإعادة الاهتمام بالتجمعات في الخارج بما يعيد الاعتبار للوشائج الوطنية التي أصابها قدر من التهتك في العقدين الأخيرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"