غياب الريادة العالمية

04:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

أظهرت الأعوام الأخيرة، بما تضمنته من تغيّرات نوعية عديدة، جملة من التحوّلات في إدارة النظام العالمي، وحدوث خلل كبير في التوافقات بين القوى العظمى، حتى إن بعض التحالفات الاستراتيجية الكبرى أصبحت محل تشكيك كبير، وهو ما يمكن اعتباره، بشكلٍ من الأشكال، نتيجة تداعيات عدم الوصول إلى تفاهمات حول شكل النظام العالمي نفسه، حيث يبدو الفشل ذريعاً في اجتراح صيغة تعددية لقيادة النظام الدولي، تضمن حالات استقرار بعيدة المدى، فقد انهارت كل الدعوات التي راجت حول نظام متعدد الأقطاب، في الوقت الذي فشلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في قيادة المصالح العالمية، بعد انتهاء الحرب الباردة، في مطلع التسعينات من القرن الماضي.
وعوضاً عن الاستثمار في نتائج نهاية الحرب الباردة، وسقوط جدار برلين، وهو ما كان متوقعاً من الولايات المتحدة أن تقوم فيه، لتعزيز ريادتها العالمية، فقد تبنّت مقولات تجريبية في السياسات العالمية، بل وروّجت لمفاهيم لا تسهم في الاستقرار العالميما لم تحسب واشنطن حسابه هو أن السياسة لا تحتمل الفراغ، وأن ترك الواقع لدينامياته العمياء هو أشبه بترك الغريزة تحرك الإنسان بدلاً من العقل، كما أن الإحساس بالتفوق الذي نشأ لدى واشنطن، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، دفعها للتصرّف بتجريبية مبالغ فيها، أو الانكفاء بعيداً عن تحالفات استراتيجية راسخة، كما في ملف العلاقات الأمريكية الخليجية، حيث آثرت واشنطن التراخي في هذا الملف، خصوصاً في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهو ما عنى فعلياً خلط الأوراق في الشرق الأوسط، ودفعه إلى حالة اضطراب غير مسبوق، وهو ما منح اللاعب الروسي فرصة العودة إلى المنطقة، من أجل ملء الفراغ الذي تركته واشنطن.
الخلل في النظام الدولي، وغياب الريادة، وعدم وجود تفاهمات على إدارة سوق العمل الدولي، كان من شأنه أن يصيب أكبر العلاقات الاستراتيجية في العالم، أي العلاقات الأمريكية الأوروبية، بحالة من الاضطراب، والتي تظهر اليوم على شكل تباينات كبرى في إدارة ملفات حساسة، مثل ملف التجارة الدولية، وخصوصاً التجارة بين الحليفين الأمريكي والأوروبي، حيث تضغط إدارة الرئيس ترامب، من أجل إعادة النظر في الرسوم الجمركية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يكبّد الشركات والدول الأوروبية، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا، خسائر كبيرة، وقد أظهرت تصريحات أوروبية على أعلى المستويات درجة التململ الأوروبي من السياسات الأمريكية الجديدة، بشأن فرض الرسوم. العملاق الصيني، وعلى الرغم من امتلاكه لقدرات كبيرة، إلا أنه ما زال متردداً في خوض سباق صريح نحو الريادة السياسية في العالم، ويبدو مكتفياً بالمحافظة على أوضاع اقتصادية ومستويات تنمية مستقرة، والاستفادة من التناقضات الدولية، وتحويلها إلى مكاسب اقتصادية محضة.
أما بشأن عودة روسيا إلى الساحة الدولية، فهي على الرغم من دخولها على خط أكثر من ملف، وإظهار إرادة قوية في أن يكون لها دور في تحديد مجريات السياسة العالمية، إلا أن الهوّة الكبيرة بين اقتصادها ورغبتها في لعب دور ريادي عالمي لا تزال كبيرة، خصوصاً أنها لم تتمكن من تطوير اقتصاد نوعي، وما زالت تعتمد بشكل كبير على الريع النفطي، وسوق السلاح، كما أنها لم تطوّر بنية تكنولوجية مهمة تتناسب مع التحولات الكبيرة في اقتصاد العولمة، وبالتالي فإنها، ولئن كانت اليوم رقماً صعباً في النظام الدولي، إلا أنها ما تزال بعيدة عن لعب دور ريادي، فهي تستطيع خلط الأوراق في ساحات عدة، لكنها لا تستطيع أخذ دور القيادة.
وهكذا فإن النظام الدولي يبدو اليوم في حالة اضطراب، نظراً لغياب الريادة العالمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"