فلسطين تتوحد وتنتصر في القدس

05:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
 الياس سحّاب
في رأيي أن تاريخ قضية فلسطين المتصل منذ مطلع القرن العشرين، حتى مطلع القرن الحادي والعشرين سيفسح موقعاً متقدماً للمواجهة الأخيرة بين سلطة العنصرية والاحتلال «الاسرائيليين» بأعلى تجلياتهما، وبين جماهير شعب فلسطين بكل مواقعها في أرض 48 وأرض 67 وفي كل بلدان الشتات العربي والدولي.
وعلى أي حال، فقد سبق لهذا التاريخ المعاصر للقضية أن سجل لمدينة القدس العربية المحتلة موقع الصدارة في الانتفاضتين الكبريين الأولى والثانية، حيث كانت القدس في كل مرة هي المنطلق وهي الدينامو المحرك لكل حيوية المقاومة التاريخية في أعماق جماهير شعب فلسطين.
لقد عبر الاحتلال «الإسرائيلي» في المواجهة الأخيرة مع الجماهير الفلسطينية التي هبت للدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات،عن ذروة عالية جدا من ذرى عنصريته وذرى تسلطه: كره مطلق للعرب تغذيه شهوة دفينة ومعلنة للاستيلاء على مقدساته وعلى أعماق وجدانه الديني والوطني المرتبط بتلك المقدسات (الإسلامية والمسيحية)، وهي عنصرية مدعومة بجحافل الجنود المدججين بأحدث ترسانة أسلحة من أرقى مصادرها، وبأعلى إنجازات التكنولوجيا الحديثة من أبواب مراقبة إلكترونية، إلى كاميرات إلكترونية ذكية تدقق في أصغر ما يحمله الإنسان في جيوبه، كل ذلك مدعوم وموجه بينابيع تاريخية من الحقد والعنصرية والكراهية. كل ذلك، تحرك في لحظة يوجد فيها الوطن العربي أبعد ما يكون عن الاهتمام بقضية فلسطين ومتطلباتها، فإذا بالنتيجة تنقلب إلى عكس ما قصدته وخططت له العنصرية الصهيونية والاحتلال «الإسرائيلي»، فمن أعماق الأوضاع السياسية المتشرذمة لشعب فلسطين، وانقساماته الجغرافية والسياسية، والتناحر على السلطة بين فصائله السياسية والعسكرية الرئيسية، من أعماق ذلك كله، تتحرك فجأة وفي أيام معدودات الأعماق التاريخية لوحدة وعروبة وإنسانية شعب فلسطين الذي هب بصدوره العارية يقارع أبشع وأقسى حركة استعمار حديث معبراً عنها بأعلى درجات التعصب الذي تقوده الفصائل السياسية الصهيونية الأكثر يمينية في حكومة نتنياهو. وفجأة، وتحت الضغط الفلسطيني الذي لم يتجاوز أياما معدودات، بدأت الحقيقة الهشة للجبروت الاصطناعي للعنصرية «الإسرائيلية» تنكشف لحظة بلحظة، فقررت السلطة في «إسرائيل» أولا التراجع عن نصب الأبواب الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، ثم في لحظات تراجعت عن إقامة كاميرات المراقبة الدقيقة، وظلت تتمسك أخيرا بسياسة إغلاق أبواب القدس القديمة المؤدية إلى المسجد الأقصى، لكن ضغط شعب فلسطين الموحد أجبر الاحتلال على فتح الأبواب خلال ساعات، وآخرها باب حطة الذي ظلت العنصرية «الإسرائيلية» تتمسك به حتى آخر لحظة. إنها دون أدنى شك مرحلة تاريخية جديدة في المواجهة بين شعب فلسطين الموحد، وبين ذروة تجليات العنصرية الصهيونية والاحتلال «الإسرائيلي».
لقد عبر الأكثر تطرفاً من قوى اليمين الصهيوني المتطرف عن هذه اللحظة التاريخية في المواجهة بحمل نعش وضع فيه علم «إسرائيل»، وكتبت عليه هذه العبارة: «اليوم ماتت سلطة «إسرائيل» في القدس».
إن المجريات المذهلة لهذه المواجهة الخاطفة تذكرني تكراراً بذلك الاجتماع الذي عقدته منذ أشهر أجهزة الأمن العليا والاستراتيجية في «إسرائيل»، للنقاش بشأن الأخطار الوجودية التي تهدد الكيان. ووسط النقاش المتشعب، انبرى رئيس سابق لجهاز المخابرات «الإسرائيلية» يدلي برأي مختصر: «ان أخطر تهديد وجودي ل«إسرائيل» ليست القنبلة النووية الإيرانية (التي لم تولد بعد)، إنه شعب فلسطين».
إنها ذروة من ذرى الدور التاريخي لمدينة القدس، في نضال شعب فلسطين في أصعب الظروف العربية والدولية المحيطة به، لقد توحدت فلسطين في القدس، وانتصرت خلال أيام معدودات في معركة ستكون لها نتائجها الاستراتيجية طويلة المدى في الصراع، ولعل أولها كتابة نهاية الحياة السياسية لزعيم اليمين الحالي في «إسرائيل» بنيامين نتنياهو.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"