مازلنا نعيش نتائج 1967

05:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحاب
الحقيقة أن استقرار الأرض السياسية العربية بعد زلزال الحرب العالمية الأولى، وانهيار الإمبراطورية العثمانية، قد تأخر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد أن استكملت القوى الاستعمارية الدولية الكبرى تقسيم أقاليم المنطقة العربية على هواها من جهة أولى، ونجحت من جهة ثانية في استكمال مشروعها القديم في ضرب وحدة أراضي الوطن العربي ما بين مغربية ومشرقية بتأسيس دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين العربية، استكمالاً لوثيقة اتفاقية سايكس- بيكو من جهة، ووثيقة وعد بلفور من جهة ثانية.
غير أن التفاعلات الوطنية الداخلية في الأرض العربية أخذت فرصتها التاريخية في التعبير عن إرادتها المحلية، بعيداً عن مشاريع القوى الاستعمارية للأرض العربية، في منتصف القرن، عندما هبت في منتصف القرن العشرين، وفي قلب الأمة العربية في أكبر وأعرق دولها مصر، ثورة 23 يوليو 1952، التي بدأت على شكل انقلاب عسكري أولاً، ثم تكشفت أهدافها الاجتماعية والسياسية، الداخلية والإقليمية، لتصبح ثورة استقلال عربي حديث، بكل ما لهذه العبارة من معانٍ سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية، وصلت، بعد تحرير الإرادة السياسية داخل مصر (تأميم قناة السويس وبناء السد العالي وكسر احتكار السلاح والإصلاح الزراعي)، وفي بعض أقطار المشرق العربي، إلى قيام وحدة سياسية كاملة، بين اثنتين من أهم البلدان العربية هما مصر وسوريا، وذلك في اتجاه معاكس تمام المعاكسة لمخططات القوى الاستعمارية الكبرى لمنطقتنا العربية.
الحقيقة أن هذا المشروع العربي الاستقلالي الحديث، قد تلقى ضربة أولى، سبقت ومهدت للضربة الثانية في العام 1967، التي تمر في هذه الأيام ذكرى نصف قرن عليها، وهي ضربة فصل مصر وسوريا، عن طريق استغلال بعض المصاعب والأخطاء الداخلية للوحدة، في مؤامرة خارجية واضحة المعالم نجحت في فك عرى الوحدة الوليدة بين البلدين.
لكن الحكم العربي الاستقلالي في أرض مصر العربية ظل يعبر عن ذلك المشروع بحيوية كاملة، غطت جميع أرجاء الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه، بل امتدت آثاره إلى مختلف القارات، (آسيا وإفريقيا) حتى أمريكا الجنوبية.
ومع أن الهزيمة العسكرية لعام 1967 بضربتها الأولى القاصمة، لم تستغرق أكثر من ستة أيام، فقد كان خطأً تاريخياً تسميتها ب«حرب الأيام الستة»، فالحرب لم تتوقف وتم استئنافها فوراً بعد عودة جمال عبدالناصر عن التنحي، واستغرقت طوال سنوات ثلاث هي فترة حرب الاستنزاف، حتى رحيل عبدالناصر. وقد صدر كتاب مهم للفريق أول محمد فوزي بعنوان «حرب الثلاث سنوات».
لكن ما كان مقرراً لهذه الحرب قبل رحيل عبدالناصر، كان محدداً في اتجاه، وما قامت به القيادة السياسية لأنور السادات في حرف العبور (1973)، سار في اتجاه معاكس.
الهدف الأساسي لحرب الاستنزاف كان إزالة آثار العدوان بالقوة، واسترداد صحراء سيناء، وهضبة الجولان، لإيجاد مناخ انتصار عربي يسمح بفرض وجهة النظر العربية في حل قضية فلسطين، العالقة منذ العام 1948.
إلا أن تبدل القيادة السياسية، عند حرب العبور في العام 1973، أدى إلى أغراض معاكسة، هي استعادة منقوصة السيادة الوطنية، لأرض سيناء، والأخطر من ذلك استقالة مصر، أكبر وأهم الأقطار العربية، من مشروع النهضة القومية العربية الحديثة، التي تتجاوز حدود فرض حل عادل وشامل لقضية فلسطين إلى استكمال نهضة الوطن العربي بجميع أجزائه.
إن نظرة دقيقة إلى تفاصيل أوضاع الوطن العربي حالياً، من أقصى المشرق، إلى أقصى المغرب، تظهر أن كل الشروط الأمريكية - «الإسرائيلية» لحرب 1967، وهي التفكيك الكامل لمشروع النهضة العربية الحديثة، بكل مندرجاته وتفاصيله، قد تم تنفيذها حرفياً، بدليل أن الوضع العربي العام يعيش بعد انقضاء نصف قرن على هزيمة 1967، في النتائج العملية والحرفية لتلك الحرب، خاصة بعد انضمام معظم الأنظمة العربية إلى نتائج التوقيع المصري لاتفاقيات كامب ديفيد، وتوقيع السلطة الفلسطينية لاتفاقيات أوسلو.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"