ميدان المنازلة الإيرانية - «الإسرائيلية»

03:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

تعتزم سلطات الاحتلال إلغاء الضريبة المضافة على الكهرباء الموردة من خطوطها الى غزة في إطار سعيها لترويض حركة حماس، وهو إجراء استثنائي لا تحظى به أية مؤسسة «إسرائيلية»، وتعتزم «إسرائيل» أيضاً زيادة التيار الى غزة الذي يبلغ حالياً 120ميجا واط، إضافة الى إدخال آلية جديدة لإيصال الأموال الشهرية القطرية الى حركة حماس، بدلاً من الحقائب التي ينقلها المبعوث القطري محمد العمادي. وتحاول حماس أيضاً إقناع مصر بفتح معبر رفح من دون وجود الحرس الرئاسي الفلسطيني الذي سحبته السلطة الفلسطينية.
هذه الإجراءات تدخل ضمن بندين، الأول أن نتنياهو، وهو مهندس هذه الإجراءات، يريد هدوءاً قبل الانتحابات، وهو ما ردده العمادي اكثر من مرة، والبند الثاني، هو أن هذه الإجراءات تدخل ضمن ملحق «صفقة القرن» الخاص بإنعاش غزة، وصولاً الى محاولة إقامة دولة فلسطينية في غزة فقط. إلا أن حسابات نتنياهو تختلف عن حسابات حماس التي تريد تحقيق مكاسب ثابتة من نتنياهو، مستغلة اندفاعه نحو الهدوء حتى لا تعكر الصواريخ حملته الانتخابية. ولهذا تنغص حماس عليه حملته بين الفينة والأخرى من خلال السجال بالقصف الصاروخي.
نتنياهو التواق الى إعادة انتخابه ألقى بكل أوراقه في المعركة الانتخابية أمام احتمال تقديم لائحة اتهام ضده بتهمة الفساد قد يتم طرحها الشهر المقبل. فهو يلقي بالورقة الأخرى، وهي الورقة الإيرانية بعد نجاحه في إبطاء الانسحاب الأمريكي من سوريا، خاصة من قاعدة التنف التي تعرقل الطريق البري بين دمشق وبغداد، ما يحول دون وصول الأسلحة الإيرانية الى سوريا براً. بل مد نتنياهو إصبعه نحو العراق، وهدد بقصف مواقع للحشد الشعبي بزعم تسليمه صواريخ يمكن أن تصل الى مدن فلسطين المحتلة.
«معركة الشمال» التي بدأها نتنياهو بحثاً عن أنفاق «حزب الله»، ثم ضرب «مواقع إيرانية» في سوريا، قد تتوسع لتشمل لاحقاً سوريا ولبنان والعراق، أي أن طهران وتل أبيب اختارتا ميداناً للمعركة بينهما بعيداً عنهما، بتحويل ثلاثة أقطار عربية الى ميدان قتال. ف«الإسرائيليون» وإن كانوا يحبذون عقيدة مستشار الأمن القومي الأمريكي الموالي لهم، جون بولتون، الذي طلب من «البنتاجون» مؤخراً إعداد خطة لضرب إيران، إلا انهم غير متأكدين من قدرتهم على ضرب إيران بمفردهم. وحتى الإدارة الأمريكية تتردد أمام القيام بعملية عسكرية واسعة ضد أيران، نظراً لوجود نقاط ضعف في التواجد الأمريكي في المنطقة، ولأن أية ضربة قد تتحول الى حرب شاملة لا يمكن السيطرة عليها، لهذا اختار «الإسرائيليون» والإيرانيون معاً، الأرض العربية للمنازلة والمناوشات، في إشارة فاقعة إلى انهم يتنافسون على النفوذ، وليس في حسبانهم خوض حرب بينهما مباشرة، وعلى أراضيهما. وقد اختار نتنياهو رئيساً جديداً للأركان، هو افيف كوخافي، الذي عرف بأنه يفضل الضربات الاستباقية، وهو ما استهل به أيامه الأولى، حيث قصف أهدافاً جنوب دمشق ثم وسع نطاق القصف. لكن مهما يكن فإن استراتيجية نتنياهو الانتخابية والسياسية نجحت، إذ تردد أنه تفاهم مع الروس قبل هذه الضربات بعدم التعرض لمواقع روسية، وعدم استخدام الجيش السوري لصواريخ «إس 300» المتطورة ضد الطيران «الإسرائيلي». فالتفاهمات الضمنية القائمة حالياً هي أن إيران وروسيا و«اسرائيل» والولايات المتحدة وتركيا، متفقة على أن تبقى الأقطار العربية ميدان قتال، كأن هناك تقسيماً منتظراً للنفوذ. فالنظام الإيراني يبدو راضياً عما في يديه، ولا يستطيع خوض مواجهة مع «إسرائيل،» بل قلص من عديد قواته هناك، ودمشق لا تتصرف من دون موافقة روسية، وكذلك «حزب الله» .لذلك، فالمعادلة مفهومة ومكشوفة لأن «إسرائيل» هي الأخرى لا تتصرف من دون ضوء أخضر أمريكي، بينما تلعب تركيا على الحبلين الأمريكي والروسي معاً، لتحقيق مصالحها في سوريا.
الهدف النهائي لنتنياهو هو إعادة انتخابه أولا، ثم تحديد ميدان المواجهة مع إيران بحيث يترك للعقوبات الأمريكية أن تأخذ مفعولها في إنهاك النظام الإيراني، وكذلك تحديد الدور الروسي في سوريا، ثم تعميق الانقسام الفلسطيني، وفي النهاية فرض السيادة «الإسرائيلية» على الضفة، كما قال رئيس الكنيست قبل أيام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"