نحن لأنفسنا

كلمات
05:19 صباحا
قراءة دقيقتين

ارتباط أطرافنا بجسدنا ليس فقط بعضلات وأعصاب وشرايين وعظام، ومجموعة أعضاء محشورة في كيس جلدي ترتبط ببعضها بعضاً بأنابيب يجري فيها سائل ساخن أحمر اللون . هناك أشياء تتملكنا، نعيها ولا نعيها، نكاد نلمسها وتتفلت منا، نكاد نراها وتخوننا قدراتنا المتواضعة على اقتناصها .

نحن مزيج متجانس من أشياء نعرفها وأشياء لا نعرفها، وثقافتنا المتواضعة تسمي الأشياء التي نعرفها بمسمياتها، والتي لا نعرفها نختلق لها مسميات جديدة حسب مزاجيتنا ورغباتنا، لغة نبتدعها ومن ثم تتحول بالممارسة والزمن إلى لغة مستحدثة أو حداثية، كلمات نلونها ونشكلها ونستخرج لها كل التفعيلات والصفات والمسميات .

كينونتنا المادية لها خبراؤها المختصون المتخصصون الذين يتحفوننا في كل علة بما لا نفهمه ولا نفقهه، وحين يتملكنا العجز عن معرفة الروابط الخفية فيه نستسلم للحلول الجاهزة من دون نقاش، نتقبل حتى المرارة، مع أننا نشتكيها في أغلب الأحيان .

لماذا نتقبل مرارة الدواء بحجة التعافي مع أننا تقتلنا مرارة الفراق؟ لماذا نستسلم لمبضع الجراح لإزالة أي ورم أو إصلاح أي خلل، ولا نتحمل اكتشاف جرح الآخر حتى لو كان هذا الجرح يكشف عن أورام مدسوسة من الآخرين في علاقاتنا الفاشلة، رغم أن هذا الجرح قد يصلح خللاً في هذه العلاقات وإزالتها أو إزالة العلاقة ذاتها من أساسها؟

لماذا نستغيث ونحن نغرق في خضم البحر، ونستمتع بغرقنا حتى الموت في قاع الحب؟ لماذا نحن أقوياء في الكره ضعفاء في الحب؟ لماذا يجبرنا البعض على اللجوء إلى الكذب أو السرية في أجمل العلاقات وأسماها، والإعلان عن أسخف وأتفه العلاقات؟ لماذا نبكي على الذين يغادروننا إلى الموت ولم نفكر فيهم حين غادرناهم في الحياة؟

لماذا صوتنا يعلو بالباطل ويختفي في الحق؟ لماذا نتبجح بالغرور والعنجهية والحقد والحسد والأنانية، ونستحي من التواضع والإيثار والعطاء؟ لماذا نشعر بالزهو حين نغلق الأبواب في وجه الآخرين، ونشعر بالمهانة حين يغلق أحدهم بابه في وجهنا؟ لماذا نعطي كل ما لدينا وأجمله للغرباء ونشح به على الأقرباء؟ لماذا نتكالب على إرضاء أعدائنا حتى لو نحرنا عند أقدامهم أقرباءنا وأصدقاءنا؟

لماذا نعيش كل هذه الازدواجية والتضارب في تقييم الأشياء والعلاقات والمشاعر، ونفصل الأشياء عن ذاتها، والأسماء عن مسمياتها إرضاء للآخرين؟ لماذا نستسلم لمعايير ومقاييس الآخرين في ما يخصنا ويملكنا ويحكمنا؟ لم لا نفكر ولو مرة واحدة، مرة واحدة فقط في تاريخ حياتنا، أن نكون لأنفسنا قبل أن نكون للآخرين؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"