هل الوحدة الوطنية الفلسطينية مستحيلة؟

03:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
الياس سحّاب
يمكننا القول بكل موضوعية ودقة علمية وراحة ضمير سياسي، إن الوحدة الوطنية في مجال النضال الفلسطيني، لم تكن في يوم من الأيام في أحوال مثالية، تناسب ما تقتضيه المخاطر الكبرى التي أحاطت بقضية فلسطين، منذ مطلع القرن العشرين، وينطبق ذلك الوضع المهتز للوحدة الوطنية الفلسطينية، على كل مراحل النضال السياسي لشعب فلسطين، منذ ما قبل إنشاء دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين، وما بعد ذلك حتى يومنا هذا.
غير أن الوضع العام، جغرافياً وقانونياً وسياسياً، عربياً ودولياً، الذي تعيشه قضية فلسطين في هذه الأيام بالذات، أيام المحن العربية السياسية المنتشرة من فلسطين، إلى سوريا، إلى العراق، إلى اليمن، إلى ليبيا، جعل غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية في هذه المرحلة الراهنة بالذات، يشكل أعلى درجة من الخطر عرفته القضية في تاريخها، إلى درجة تهدد بالتصفية الشاملة للقضية، لولا الثقة المتبقية بالجماهير الشعبية لعرب فلسطين، في كل مواقعهم.
من الناحية الجغرافية، والسكانية، أصبحت فلسطين في ذروة تمزقها إلى أشلاء متبعثرة في كل مكان. فهناك فلسطين المحتلة في العام 1948، وفلسطين المحتلة في العام 1967، التي أصبحت بدورها مجزأة إلى ثلاثة أجزاء: قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس.
أما من الناحية السياسية فتعيش القضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة حالة التهلهل والتشتت بين وجود منظمة سياسية تمثلها، اسمها «منظمة تحرير فلسطين»، وبين السقوط العملي بشعار تحرير فلسطين في استراتيجية معظم القوى السياسية الفلسطينية، التي تتولى قسماً ضئيلاً من السلطة تحت نير الاحتلال، والتعامل معه كأمر واقع وليس كعدو تاريخي للقضية وللوطن.
أما في المحيط العام للقضية، فإن عمقها العربي، المتعلق بالموقف الرسمي لمجموعة الدول العربية المحيطة بفلسطين، قد أصيب بتراجع تاريخي، وصل في معظمه إلى حد التعامل مع الواقع اللاغي تماماً للقضية وحقوق شعبها، كأمر واقع عادي.
أما على صعيد الأمم المتحدة، فإن مظالم قضية فلسطين وصلت ذروة الانحدار والتردي، في دفن القرارات التاريخية الأساسية المتعلقة بالقضية، وأولها القرار 181، قرار التقسيم، الذي لا يمنح دولة «إسرائيل» أكثر من 54% من أرض فلسطين التاريخية، أو القرار 194 الذي يقضي بعودة كل فلسطيني تهجر في أحداث العام 1948، إلى أرض أجداده، إضافة إلى الإهمال الدولي الكامل لاختراق «إسرائيل» الدائم لاتفاقيات جنيف التي تنظم علاقة الدول بالأراضي التي تحتلها، وصولاً إلى القرار 242، الذي يقضي منذ العام 1967، أي منذ نصف قرن، بالانسحاب من الأراضي التي احتلت في تلك السنة.
غير أن ذروة هذه التراجعات العربية الرسمية، والدولية القانونية، تبقى في الحالة المتردية حتى الحضيض للوحدة الوطنية في العمل السياسي الفلسطيني.
لقد أجريت في الأراضي المحتلة انتخابات فلسطينية للمرة الأولى في تاريخ العمل السياسي الفلسطيني، لكن كلاً من حركة فتح وحركة حماس، المنظمتين الأساسيتين في العمل الفلسطيني، ما زالت تتمسك بالأكثرية التي نالتها منذ عشر سنوات، على الصعيدين التنفيذي والتشريعي، ولا تترك مجالاً لولادة دورات جديدة من الانتخابات الحرة، التي تجدد الثقة الشعبية بكل تنظيم، وفقاً لأدائه السياسي في مجال القضية الوطنية.
ومع أن قضية فلسطين، رغم كل هذه التراجعات، لا تزال القضية الأساسية لدى كل التجمعات الشعبية الفلسطينية، كما كانت منذ العام 1948، فإن الأوضاع التسلطية التي وصلت إليها القوى السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تتزايد في التناقض مع أساسيات القضية، من دون أن تفسح في المجال للضمير الشعبي الفلسطيني لأن يعبر عن رأيه، ويحدد بنفسه طرق النضال المفروض اتباعها.
إنها معضلة سياسية معقدة تحتاج إلى انتفاضة داخلية عميقة لشعب فلسطين، في كل مناطق الشتات، يسترد فيها الشعب وحدته الوطنية، الممنوعة حتى إشعار آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"