هل تعزز الطاقة الرخيصة التنمية الاقتصادية؟

02:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.عبدالعظيم محمود حنفي
يتفق عديد من المحللين على أن عودة الانتعاش للاقتصاد العالمي أمر مهم جداً في تحديد الأسعار العالمية للنفط. بعض الخبراء يرى عودة الروح لبعض الاقتصادات المتطورة، وهو ما يعني زيادة في معدلات الطلب العالمي للنفط، وبالتالي زيادة في الأسعار.
وعندما كانت الأسعار الدولية للطاقة خلال الفترة الممتدة من 1940 إلى 1960 ثم في الثمانينات وتسعينات القرن الماضي، كان توفير البنزين والديزل والغاز الطبيعي بدون مقابل للمستخدمين المحليين على ما يبدو طريقة بسيطة تتبعها البلدان المصدرة للنفط لتوزيع بعض من ثروتها الوطنية من النفط والغاز. بالإضافة إلى ذلك، أدى إغراء وفرة مصادر الطاقة الرخيصة إلى إيجاد الاستثمارات، من ثم الوظائف التي كانت الحاجة إليها ماسة. ولم يكن لمسألة الدعم أهمية تذكر ما دامت الأسعار المحلية تغطي تكاليف إنتاج الطاقة. و تغيرت الأوضاع كثيراً في العقد الماضي. فعلى جانب العرض، استمر انخفاض استثمارات استكشاف النفط والغاز واستخراجهما في ظل الأسعار المتدنية والطاقة المفرطة خلال ثمانينات القرن الماضي، أما على جانب الطلب، فأدى انخفاض الأسعار إلى حفز الطلب العالمي. وارتفع الطلب إلى مستويات أعلى مدفوعاً بالنمو الاقتصادي السريع في كثير من الأسواق الصاعدة ذات الكثافة السكانية العالية - مثل الصين و الهند - مع نمو الطبقة المتوسطة على مستوى العالم، بما لها من طموحات تجعلها كثيفة الاستهلاك للطاقة.
ومع تجاوز نمو الطلب على الزيادات في المعرض، ارتفعت أسعار النفط من نحو 17 دولاراً للبرميل في 1998 إلى 97 دولاراً للبرميل في المتوسط في عام 2008. وحتى منتصف عام 2014، بارتفاع سعر النفط أدركت حكومات البلدان المصدرة للنفط أنها كانت تخسر مليارات الدولارات كعائدات محتملة، نتيجة للانخفاض المفرط في أسعار المنتجات النفطية في أسواقها المحلية. وكان يتعين على صناع السياسات في تلك البلدان أن يتساءلوا عما إذا كان يمكنهم عمل ما هو أفضل من منح سلعة بدون مقابل كان يمكنها عملياً تحقيق ثروة طائلة إذا بيعت في السوق الدولية. وما إذا كان ينبغي السماح بزيادة الدعم المحلي للإبقاء على الوقود في متناول مواطنيها أو تخفيض الدعم أو حتى إلغائه وإفساح المجال لقوى السوق. وقد أخذت بالفعل بعض البلدان المنتجة للنفط خطوات نحو إلغاء الدعم المحلى.
وإذا وقع الاختيار على السماح بارتفاع أسعار الطاقة المحلية إلى مستواها الدولي فقد يتمكن صناع القرار في البلدان المنتجة للنفط من الحد من الإسراف في استهلاك الطاقة و تحقيق عوائد إضافية من صادرات النفط و الغاز المربحة. و من ثم يمكن للحكومة إعادة توزيع معظم العائدات الإضافية المتحصلة من زيادة الأسعار عن طريق العوائد النفطية، مما يحقق تأييد المواطنين لزيادة السعر. كما أن الادعاءات بأن الطاقة الرخيصة تعزز التنمية الاقتصادية مشكوك في صحتها.
وهناك أدلة واضحة على تزايد كثافة استخدام الطاقة. فتوافر الطاقة بأسعار رخيصة لا يشجع على الاقتصاد في استهلاكها، كما أنه يعوق البلدان التي تنتجها في الأغلب لتلبية الاحتياجات المحلية عن إنتاج سلع تتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة - مثل السيارات - التي يرجح أن تشتريها من الأسواق الدولية. ويقف هذا العجز عن المنافسة على المستوى الدولي عائقاً أمام التخصص كما يبطئ وتيرة النمو الاقتصادي النجاح، و تظل البلدان المنتجة للنفط أكثر عرضة لتقلبات أسواق الطاقة الدولية. ولزيادة سرعة النمو الاقتصادي في القطاع غير النفطي وإيجاد فرص عمل، بدأ صناع السياسات في البلدان المصدرة للنفط يدركون أنه يتعين عليهم تنفيذ إصلاحات تهدف إلى زيادة الكفاءة والقدرة التنافسية الاقتصادية. وقد كسبت هذه الإصلاحات تأييد المجتمع الدولي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"