استعادة تحالف موسكو - بيونج يانج

04:45 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. رضا محمد هلال*


صاحبت قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والكوري الشمالي كيم جونج أون، في مدينة فلاديفوستوك الروسية، نهاية الشهر الماضي، العديد من التأويلات والتفسيرات الخاصة بدوافع الدولتين، لعقد القمة، ومستقبل التعاون الثنائي بينهما في المرحلة المقبلة. وقد زاد من انتشار هذه التأويلات والتفسيرات التصريحات الإعلامية التي أدلى بها مسؤولو الدولتين، والتي دارت حول: عودة الدب الروسي للجزيرة الكورية مرة أخرى، والدور الجديد لروسيا في شرق آسيا، واستعادة بوتين هيبة روسيا مرة أخرى في ملف كوريا الشمالية.
غني عن البيان أن هذه القمة بين رئيسي الدولتين، سعى خلالها كل منهما لتحقيق عدة مصالح ومكاسب لدولته في حقل السياسة الخارجية الذي يعترف بلغة المصالح فقط هدفاً وحيداً للدول المتقدمة والنامية على السواء.
* أولاً- قمة فلاديفوستوك ومحاولة استعادة المكانة الروسية:
يندر في التاريخ ارتباط بعض المدن بسقوط وقيام إمبراطوريات كبرى، مثلما ارتبطت مدينة فلاديفوستوك الروسية، التي شهدت في عام 1986 قيام ميخائيل جورباتشوف - سكرتير الحزب الشيوعي، أي رئيس اتحاد الجمهوريات السوفييتية آنذاك- بإلقاء خطاب تاريخي عقب تنصيبه بأيام قليلة، أعلن فيه التوجه السوفييتي الجديد في منطقة آسيا الباسيفيكي تطبيقاً لفكره الإصلاحي الجديد «البيرويسترويكا والجلاسنسوت: المصارحة وإعادة البناء»، والذي يرتكز على: تحقيق الأمن والاستقرار لجميع الدول والأمم في شرق آسيا، وتحقيق التنمية والتعاون القائمين على المصالح المشتركة للجميع. وعلى الرغم من قيام روسيا باعتبار المدينة واجهة للرأسمالية الروسية الجديدة في شرق آسيا، عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، فإن جل اهتمام رجال الأعمال والمستثمرين الروس طوال الفترة من 1992 وحتى عهد قريب، انصب على التعاون الاقتصادي والاستثماري لروسيا مع أوروبا.
ومع مجيء فلاديمير بوتين للسلطة عقب انتخابه رئيساً لروسيا في مارس (آذار) 2000، تبنى خطاً جديداً في السياسة الروسية مفاده الاستعادة التدريجية للدور الروسي عالمياً وإقليمياً، ومن أولى المناطق التي اتجهت إليها أنظار بوتين شرق آسيا التي سعى لتعزيز مصالح روسيا السياسية والاقتصادية فيها، علاوة على نجاحه في تعزيز الانتماء الآسيوي لدى غالبية الروس.
لذا تعد هذه القمة خطوة في سياسة روسيا الإقليمية الجديدة في شرق آسيا القائمة على جني المزيد من المكاسب الاقتصادية لقاء بيع البترول والغاز الروسيين فيها، وفي الوقت ذاته تلبية مطالب الأصدقاء في كوريا الشمالية والهند واليابان والصين بالتواجد ومواجهة المطامع والنوايا الاستعمارية الأمريكية الشرهة، خاصة في ظل الإدارة المضطربة لدونالد ترامب.
* ثانياً - كيم جونج أون واستعادة الحليف الروسي:
على الرغم من خلو قمة الرئيسين بوتين وكيم أون من التوقيع على اتفاقات لتعزيز التعاون الثنائي كما جرت الأعراف الدبلوماسية، فإن الرئيس الكوري كيم أون سعى لتحقيق عدة أهداف، منها: توكيد رفض موسكو استمرار تشديد وفرض الحظر على كوريا الشمالية، ورفض استخدام القوة العسكرية ضد هذا البلد، وفي عموم منطقة شبه الجزيرة الكورية، خاصة بعد إعلان كيم جونج أون وقف برامج تطوير الصواريخ والتجارب النووية، وفي الوقت نفسه معارضة روسيا للسياسة الأمريكية الرامية لتعزيز نفوذها العسكري في هذه المنطقة، وطلب وساطة روسيا للمشاركة في جهود تسوية الأزمة الكورية بالطرق الدبلوماسية، والتحرك باتجاه إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، وتوظيف الأزمة الحالية بتوقف المفاوضات الراهنة مع الإدارة الأمريكية في استقطاب روسيا والصين، من خلال إعطاء امتيازات لهذين البلدين خصوصاً في المجالين الاقتصادي والتجاري، خاصة مع اتجاه كوريا الشمالية لتنفيذ سياسات جذب الاستثمار الأجنبي، وافتتاح خطوط للملاحة البحرية بين روسيا وكوريا الشمالية قبل حلول نهاية العام الجاري، لرفع مستوى التبادل التجاري بين الجانبين.
وفي مجال برنامج التسلح الكوري الشمالي بصفة خاصة، سعى الرئيس كيم أون إلى مطالبة الجانب الروسي بالإصرار على تجديد صيغة المباحثات السداسية التي استمرت في التعامل مع الملف النووي الكوري الشمالي، خلال الفترة بين عامي 2005 و2008 لتشمل إلى جانب الكوريتين كلاً من الصين وروسيا والولايات المتحدة واليابان، على أن يتضمن جدول أعمال هذه المباحثات التوصل لاتفاقات دولية متعددة الأطراف وملزمة في مجالات وقضايا: إنهاء حالة الحرب في شبه الجزيرة الكورية بين كل الأطراف بما فيها كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان وروسيا والصين، ورفع كل العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية من قبل الأمم المتحدة حسب جدول زمني تتفق عليه الأطراف، وتوقيع اتفاقات سلام وتعاون في قطاعات الاستثمار والطاقة والصناعة والتجارة البينية تكون كوريا الشمالية طرفاً محورياً ومشاركا فيها، والتوصل لصيغة دولية مشتركة لتعزيز الأمن الجماعي والاستقرار.
لذا فإنه يمكن القول إن أهداف القمة من جانب كوريا الشمالية، هو إعادة التنسيق مع روسيا بوتين ذات المصالح السياسية والاقتصادية المتنامية في شرق آسيا، فيما يتعلق بملف التسلح والأمن والاستقرار في المنطقة، وجس نبض روسيا في خرق العقوبات الدولية المفروضة على كوريا في حال استمرار التعنت والتجاهل الأمريكي للمطالب الكورية الشمالية، فيما يتعلق بتحقيق الأمن الوطني والإقليمي، ورفع العقوبات وضخ الاستثمار الأجنبي إليها، بالإضافة إلى تشديد الضغوط على الإدارة الأمريكية الحالية، برئاسة ترامب للتعامل مع الملف الكوري قبل بداية عام 2020 المزمع عقد الانتخابات الرئاسية الأمريكية فيه، وبالتالي رفض كيم جونج أون أن تكون قضية أمن بلاده محلاً للمزايدة بين مرشحي الحزب الديمقراطي ودونالد ترامب العاجز سياسياً ومؤسسياً عن التعامل مع المطالب والمصالح الكورية الشمالية.

*باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"