الشيخوخة تئن من الجحود

12:41 مساء
قراءة 16 دقيقة

المسنون هم صوت الحكمة وبدونهم تفقد المجتمعات ذاكرتها.. لكن رغم ما بذلوه من جهد وعطاء يصدمون في شيخوختهم بالتهميش من الأبناء والمجتمع لتتحول حياتهم إلى مأساة، وبدلا من قضاء ايامهم بعد التقاعد في راحة وهدود والاستمتاع بما حرموا أنفسهم منه أيام الشباب، نجدهم يتجرعون مرارة العقوق ونكران الجميل. وتقيم مؤسسة التنمية الأسرية في أبوظبي الثلاثاء المقبل الموافق الثاني والعشرين من ابريل/نيسان الجاري مؤتمر أبوظبي العالمي للشيخوخة لمناقشة هموم واحتياجات هذه الشريحة المهمة في المجتمع، بوصفهم الغرس الأول، والشجرة التي أثمرت أبناء وبنات حملوا لهذه الدولة رايات العزة والأمان.

رفضوا لقب مسن واستمروا في العطاء

كبار سن جددوا شبابهم بالعمل

استمرار بعض المسنين في العطاء جعلهم نبعاً لا يتوقف، ولم يقبلوا لقب مسن وأصروا على المواصلة كأشخاص فاعلين في مجتمعهم يعملون وينتجون تأكيداً لاستمراريتهم وكيانهم مبرهنين على أن الشيخوخة الحقيقية هي شيخوخة الروح والعقل وأن الانسان ما دام قادراً على العطاء يجب ألا يوقفه رقم موجود في خانة العمر.

تحقيق: دعاء فاروق

حسن عبدالله النومان إماراتي عمره 70 عاماً ويعمل حالياً بمجال التجارة والأعمال الحرة بعد تقلده مجموعة من المناصب الحكومية فيما سبق يقول: العمل اختياري وبشكل وجودي على أرض الواقع كإنسان عامل ومنتج ولا يمكن أن أتصور أن أكون غير ذلك وأنا قدمت العطاء من خلال مجالات كثيرة عملت فيها كرئيس اتحاد غرف التجارة على مستوى دول الخليج ورئيس غرفة تجارة وصناعة الشارقة ومدير بنك كما خدمت بالقوات المسلحة حتى رتبة ملازم والآن اعمل بالتجارة وهذا التعدد في المجالات كان أشبه بالبحر الذي انهل منه الخبرات والمعرفة التي تؤهلني لإدارة عدة مشاريع الآن وبكل كفاءة.

وأضاف: العمل أياً كان نوعه يعطي الإنسان الإحساس بأهميته، وانه ليس عالة أو كائناً مهملاً بل على العكس يكون موضع تقدير من الآخرين بل ويقصده الناس لقضاء حوائجهم. لأن العمل والنجاح يعطي لصاحبه قيمة بغض النظر عن سنه وهذا الشعور بالقيمة يحتاجه كل إنسان خاصة كبار السن لأن الإنسان كلما كبر ازدادت حاجته للاحترام والتقدير والاستمرار بالعمل والعطاء يدفع الآخرين الى ذلك لذا يجب ألا يتوقف الانسان عن السعي في الأرض كلما أمكنه ذلك واعطاه الله المقدرة.

عزت مولانا مصري عمره 64 سنة ويدير شركة لتأجير السيارات يقول: أعمل طوال عمري في مجال تجارة السيارات ولدي 3 بنات وولد وبعد زواج بناتي بدأت العمل في مجال تأجير السيارات والعمل بالنسبة لي هو الحياة والاستمرار وليس مجرد مصدر للدخل فأنا مؤمن بأن الانسان تنتهي حياته وتبدأ شيخوخته في اليوم الذي يتوقف فيه عن العمل ولا أجد سبباً يمنع أي شخص من أن يستمر في أن يكون له عمل ما دامت لديه الكفاءة والقدرة الصحية ولا يعاني من أمراض او اعاقة تمنعه من أن يعمل وينجز فالعمل متعة وأنا أعمل 11 ساعة في اليوم واعتقد أن العمل هو أهم اسباب حيويتي ونشاطي ومظهري فأغلب المحيطين بي يعتقدون أنني أصغر سناً والفضل للعمل لأن الفراغ والتقاعد يعجلان بالتقدم في العمر.

وعن نظرة المجتمع لكبار السن يقول: اعتاد الناس على النظر للمسن على أنه شخص انتهت صلاحيته ربما لأن هذه السن عرفت بمرحلة التقاعد، ولكن هذه النظرة يجب أن تتغير فالحياة تتطور والطب تقدم وهذا جعل فترة شباب الانسان اطول للرعاية الصحية المتوافرة.

ومعظم من تجاوزوا الستين في حالة من الحيوية والنشاط والاقبال على الحياة اكثر من شباب في الثلاثين اضافة الى خبرتهم في الحياة وحكمتهم ومع كل هذه ميزات من القدرة والخبرة فإنهم أكثر عطاء من بعض الشباب واعتقد أن تجاهل هذه القدرات يعتبر تعطيلا لطاقات يمكن أن يستفاد منها وتشارك بدور فعال في بناء المجتمع، اضافة الى انه على المستوى الانساني يعتبر العمل بمثابة الحياة لكبار السن، وأمل يجعلهم يتمسكون بالحياة واتمنى أن تبقى لدي القدرة على العمل حتى آخر لحظة في حياتي.

ويقول حسيب العتيبي اماراتي عمره 72 سنة ويمتلك مزرعة يديرها بنفسه: العمل ترياق الشباب كما أنه واجب والرجل مكانه خارج البيت ولا يليق به البقاء في البيت طالما كان قادراً وليس به علة صحية وبعد أن انتهيت من رسالتي الأسرية وعلمت بناتي والتحقن بوظائف مهمة كان علي أن أستمر في رعاية المزرعة التي أفنيت عمري فيها وحتى الآن هي مصدر الخير على العائلة كلها والجميع يستفيدون من خيرها.

وأضاف: سعادتي لا تكتمل الا برؤية نتاج مجهودي في الخير الوفير الذي تدره المزرعة علي وعلى أسرتي ولا أنصح أي إنسان حتى ولو كان في ارذل العمر أن يبقى عاطلاً إذا كانت لديه صحة يمكنه أن يفعل أي شيء ليس فقط من أجل المال وانما حتى يشعر بأنه لا يزال له بصمة في الحياة.

فاطمة السمان إماراتية عمرها 60 تقول: منذ توفي زوجي وأنا أقوم بكل الأدوار في حياة أبنائي ووفقني الله لتربيتهم وتزويجهم ولم اعتمد فقط على معاش زوجي بل خرجت للعمل أيضا من خلال إحدى المؤسسات التي تمول المشاريع ودعمتني في صناعة الخوص وبيعه وحتى الآن لم أتوقف عن العمل حتى بعد أن توظف ابنائي وطلبوا من الراحة فأنا اعتدت العمل والنشاط خارج البيت وداخله.

وأضاف: العمل صاحب فضل كبير علي ليس فقط لأنه أمدني بالمال وانما أيضاً منحني الصلابة والاعتماد على نفسي بعد وفاة زوجي ومنحني الطاقة والقدرة على المواصلة لذا احب العمل وسأظل أعمل مادمت اتنفس.

أما رمزت ابراهيم عليا سوري 65 سنة ويعمل بمجال التعليم فيقول: ما دام الانسان لديه الصحة يجب ألا يتوقف عن العمل ولكن المجتمع والقوانين لا تشجع على ذلك وينظر الى من تخطى الستين على أنه انتهت صلاحيته في حين انه على المستوى العملي ممكن أن يكون قادراً على العمل لذا يجب أن ينظر الى الانسان ليس حسب سنه وانما كفاءته وقدرته الجسدية والذهنية.

ويقول محمود عيسى عثمان اردني 67 عاماً مسؤول قسم بمؤسسة تعليمية: استمرار الانسان في العمل وتمسكه به تتحكم فيه عوامل كثيرة منها الوضع الاجتماعي والحالة الاقتصادية ففي بعض الأحيان يكون عمل كبار السن ضرورة بوصفهم مسؤولين عن اسرهم مادياً، لذا يجب ان يوضع ذلك في الاعتبار وأن تعمل الدولة على توفير العمل المناسب لكبار السن والذي يعتمد على القدرة الفعلية واستغلال خبراتهم التي اكتسبوها عبر السنوات ولا يكون في العمل مشقة بدنية تفوق طاقتهم في هذه السن وفي هذه الحالة لن يكون هناك أي عائق ان يظل الشخص يعمل حتى آخر لحظة من عمره طالما توفر له العمل المناسب.

ويقول خالد عبدالجبار العتيبي 52 سنة رئيس قسم بإحدى المدارس الخاصة: لم اصل بعد الى سن المعاش ولكن منذ الآن قررت ألا اتوقف عن العمل مهما كانت المرحلة العمرية التي سوف اصل لها مادام الله ينعم علي بالصحة والقدرة على العمل وأنا لا انظر الى السنوات التي تمر من عمري النظرة السلبية التي يتخذها البعض بل على العكس اعتبرها خبرات اكتسبها تؤهلني لما هو أهم في مجال العمل كالعمل الاستشاري كما يحدث في الدول المتقدمة التي تنظر للكبار على أنهم حكماء ويحاولون الاستفادة من خبراتهم التي اكتسبوها خلال سنوات عمرهم بتعيينهم في الوظائف الاستشارية لأنهم يدركون ان خبرات الكبار ثروة وطاقة يجب توظيفها والاستفادة منها. ويضيف: ما بعد الستين هو سن النضوج والخبرة وعلى المستوى الشخصي أنا الآن افضل كثيراً من خمس سنوات مضت من حيث مقدرتي على الحكم على الأمور وتجنب الاخطاء واعتقد أنني حينما أصل للستين سأكون اكثرخبرة ولا اتخيل حياتي من دون عمل.

يعانون الوحدة وظلم الأبناء

التجاهل عقوق عصري للشواب

المسنون هم الآباء والأمهات، الذين تعبوا وسهروا وبذلوا النفيس والغالي من أجل الأبناء وبحثا عن سعادتهم. ولكن بعد فقدان العمل أو الزوج أو ابتعاد الأولاد أو عدم الأمان المادي ماذا يفعلون؟ فقد كان المسن يوماً عنصراً مشاركاً مشاركة فعالة في مجتمعه وبيئته المحيطة ولكنه الآن يعاني التهميش محتفظاً في ذاكرته بالماضي الجميل ليعاني وحيداً في صمت من التجاهل رغم أنه في أمس الحاجة إلى رد الجميل في هذه المرحلة العمرية.

تحقيق: مصطفى عبدالرحيم

محمد عبيد خليفة 65 عاماً يقول: إنه يعاني الوحدة والقهر من أبنائه الثلاثة إذ انه كان يمتلك شركة كبيرة ويديرها بمساعدتهم ولكنه بعد أن كبر وأصبح في هذه السن يعاني حالياً من العزلة ويشتاق إلى مكتبه في الشركة.

ويضيف: ان أولاده أقالوه وأقعدوه ومنعوه من دخول شركته، مشيراً إلى أن أحدهم أمر موظفي الشركة بعدم إطاعة أوامره وهو المالك الرسمي للشركة حتى الآن.

ويؤكد انه افنى عمره وحياته من أجل تعليم اولاده وبناته وكان جزاء كل هذا ان يقعد وحيداً مهمشاً من دون سؤال ولا حتى رؤية الأحفاد.

وعن النواحي المادية يقول: إن الحياة ليست مادية فقط وانهم غير مقصرين من حيث المادة فهو يمتلك الكثير ولكنه متعطش للدفء الأسري وحنان الأبناء ووقفتهم بجواره في نهاية مشواره.

ويتفق معه جمعة عبيد 60 عاماً، إذ إنه ظل ينفق على أبنائه وبناته حتى انتهى بعضهم من مراحل التعليم والتحقوا بالعمل، ولكنهم تركوه ولا يساعدونه على تكاليف الحياة بعد ان تعب من أجلهم حتى أتموا تعليمهم، وأصبحوا رجالا ولهم أعمالهم ورواتبهم.

ويضيف أنه يعاني الوحدة ويحلم بالترفيه وتغير الجو والمناظر ففي الماضي كان يخرج مع ابنائه ليرفه عنهم ويحضر لهم الهدايا وخلافه، ولكنهم اليوم أصحاب سيارات وبيوت وأموال ولا يأتي أحد منهم يوما ليخرجه من المنزل إلى متنزه.

وشدد محجوب سلطان 66 عاماً على أهمية الزوجة ويقول، انه بعد ان فقد زوجته وغابت عن الحياة غاب كل شيء جميل، فهي رفيقة حياته، ويذكر الى الآن كيف بنيا بيتهما الذي ربيا فيه الاولاد حتى كبروا وصاروا آباء الآن.

ويشير إلى أن الأبناء انشغلوا بهموم ومتاعب الحياة فهو أب ويعرف ويقدر المسؤولية، ولكنهم لا يزورونه حتى في أيام الأعياد أو المناسبات، مؤكداً انه لم يقصر معهم في أي شيء منذ طفولتهم حتى الآن.

ويقول محمد البلوشي 59 عاماً، إنه كان يقضي معظم أوقاته مع الأصدقاء من دون أن يشعر بوحدة، ولكنهم بعد ان فارقوا الحياة واحداً تلو الآخر شعر بوحدة شديدة والتهميش والنسيان من الأبناء، وأيقن أن الأصدقاء نعمة كبيرة. ويضيف أنه منذ ذلك الحين يشعر ان أولاده يتجاهلونه ويرفضون نصائحه التي يقدمها لهم.

ويعلل محمد حسين 55 عاماً ما يحدث من تهميش لكبار السن الى وجود خلاف أزلي بين الأجيال. فالأب لا يعجبه تفكير الابن، وعلى العكس لا يشعر الابن بالرضا تجاه ما يقوله الأب. وقال: إن ابنه يصر على تنفيذ ما يدور برأسه حتى لو قال له إنه خطأ وتنفيذه قد يوقع به الضرر.

خميس علي 61 عاماً يعاني من نظرة المجتمع له على انه شيخ كبير، فبعد ان كان موظفاً كبيراً في الدولة في أحد أجهزتها الكبيرة صار بين ليلة وضحاها على المعاش مشيراً إلى أنه قادر على العطاء ولكنها القوانين.

ويضيف أنه لا يحب أن يرى في عيون الكثير من الناس نظرة الشفقة والعطف كونه كبيراً في العمر، في حين انه قادر على فعل كل شيء في الحياة حتى وإن قلت حركته ولكنه يعيش ويقبل على الحياة.

ويؤكد انه نجح في تربية أولاده تربية اجتماعية ودينية صحيحة السبب الذي جعلهم معه حتى الآن ويشاركونه شيخوخته وظروفه الجديدة، فهو لم يتعود على الجلوس في البيت من دون عمل، وتعود على تحمل الجهد والتعب والنشاط والعمل على خدمة الناس والمجتمع.

ويقول: إنه يمضي معظم وقته مع أحفاده الذين عوضوه وشغلوا وقت فراغه.

ومع مشاغل الحياة المادية قد ينشغل الأبناء عن الآباء، ويتركونهم من دون رعاية ولا حتى السؤال عنهم وعن صحتهم كنوع من صلة الرحم وردا للجميل.

وعن رأيه في تهميش الشواب يقول الدكتور أحمد فلاح العموش رئيس قسم الاجتماع بجامعة الشارقة والباحث الاجتماعي: تجاهل كبار السن المسنون وإهمال الأبناء لهم قضية كبيرة ومعقدة إذ إن المشكلة الاساسية تكمن في تربية الآباء للأبناء بطريقة خاطئة.

فالتربية المادية النفعية القائمة على المصلحة وتبادل المنفعة هي تربية خاطئة تدعو إلى الأنانية وحب الذات وحب التملك، مما يؤدي إلى ارتباط الأبناء بأهلهم ما دامت هناك فائدة أو مصلحة، وبمجرد انتهاء هذه المصلحة أو غياب الممول انتهت العلاقة.

فالتربية لا بد أن تكون صحيحة، تدعو إلى القيم الاجتماعية والتواصل الاجتماعي والمعنوي والأخلاقي وبر الوالدين وليست المادية الجافة المخربة، وعليه فالرجوع إلى ديننا الإسلامي خير معين على تربية أبنائنا تربية صحيحة.

وحول الموضوع نفسه يقول الدكتور أحمد الشيبة رئيس مركز الخليج والباحث في شؤون المجتمع، إن تهميش الآباء ظاهرة قديمة ولكنها لم تكن منتشرة في مجتمعاتنا العربية بهذا الشكل.

وعدّد أسباب الظاهرة في عدة نقاط:

أولها: انخفاض التربية القيمية كالود والرحمة وبر الوالدين وغيرها من القيم النبيلة التي لا يمكن للمجتمع العربي أن يعيش من دونها فالإنسان لا يستطيع ان يعيش بمفرده منعزلاً عن الناس وغير متواصل معهم، ولذلك كان لا بد من تعليم الأبناء هذه القيم الأخلاقية بعيداً عن الحياة المادية.

ثانياً: للعولمة واستيراد الأفكار تأثير كبير في هذه القضية فموضوع دور المسنين مثلا فكرة مستوردة ووافدة على مجتمعاتنا العربية، وهذه الدور أقيمت لحالات معينة وهي كأن يكون الأبناء غير قادرين على الانفاق على أهليهم أو يكون بهم أي قصور جسدي أو غيرها من الظروف غير العادية والطارئة، وليس لأن تملأ الدور بالآباء والأمهات ممن لهم أهل وأبناء يعيشون في نعيم الدنيا ناكرين فضل الآباء والأمهات عليهم.

ثالثا: من الأسباب المؤثرة جداً في هذه القضية الهجمة الإعلامية الشرسة من الغرب على مجتمعاتنا العربية من الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو للأطفال وغيرها.. لأنها تعودهم الفردية.

ويشدد الداعية الشيخ حمدي السيجاعي الواعظ بمركز الإرشاد الديني بأم القيوين على أنه من العيب على الأبناء ان يتخلو عن الآباء اذا تقدم العمر بهم.

ويقول: إن الله ورسوله لا يرضيان عن الابن العاق لأبويه وغير البار بهم لافتاً إلى ان الإسلام يدعو الأبناء الى الحفاظ على صلة الرحم فهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على بر الوالدين وتنهى عن عقوق الآباء. ويشير إلى أن هذا الابن العاق الذي يسعى إلى تهميش والديه والاستيلاء على ثروة ابيه وغيره سوف يكون في يوم من الأيام أبا لأبناء عاقين عصاة قلوبهم قاسية.

بعضهم يلجأ إلى جراحات التجميل

مسنون يفرون من التجاعيد

الشيخوخة مرحلة عمرية يخاف منها بعض الناس لاعتقادهم ان المجتمع سيهمشهم فيهربون إلى الجراحات التجميلية، ظناً أنهم بذلك قهروا التجاعيد. وليست جراحات التجميل وحدها الوسيلة التي يهرب بها الكبار من الشيخوخة فهناك من يعزل نفسه عن الحياة رغم أن الخبراء أكدوا ان هذه المرحلة العمرية تعد البداية الحقيقية لحياة جديدة وتحقيق طموحات وأحلام كانت مجمدة. بين المتفائلين بالشيخوخة والكارهين لها أجرينا هذا التحقيق:

تحقيق: محمد هجرس

أحمد الشيبة أخصائي علم النفس والاجتماع أكد أن المشكلة تكمن في ان بعض تلك الفئة من البشر لا تعلم أن لكل مرحلة عمرية ظروفها الخاصة، وأن مرحلة الشيب من أحلى فترات العمر، مشيراً إلى أن الانشغال في الحياة والتقدم التكنولوجي الذي يغزوها يومياً يجعل الناس لا تتذكر تلك المرحلة التي تباغتهم فجأة بعد أن تناسوا أن الحياة لها نهاية.

وقال: إن القرآن الكريم يقول وجاءكم النذير والمعنى هو ظهور الشيب، والقصد هو الاقتراب من النهاية، وهو أمر مفهوم لدى جميع البشر، وإذا ظهر فإن النهاية قريبة، وقبل هذا الأمر ليست هناك أي إشارات عن اقتراب الانسان من الموت بقدر ما يتضح في تلك الحالة، رغم سعي الجميع لعدم تذكرها، مشيراً إلى أن كلمة الشيب مرتبطة بعملية الضعف وهو أمر لا يحبه الانسان لأنه يحب أن يكون قويا.

وأوضح الشيبة أن لجوء بعض كبار السن لأفعال بهدف التشبث بأيام الشباب وابعاد الشيب عنهم يرجع للتأثير الإعلامي الواضح من خلال البرامج والاعمال الدرامية التي صارت مؤثرة بشكل كبير بجانب غياب الجانب الديني واعتبار أن الشكل أهم عوامل جذب المال.

ويعتبر د. جورج ونيس أخصائي الطب النفسي أن هروب الناس من وقار الشيخوخة سلوك طبيعي لمقاومة التغيرات التي تحدث لهم، بحيث يكونون في أحسن صورة ويقبلهم الآخر، لافتاً إلى أن مرحلة الشباب بالنسبة للإنسان هي القوة والقدرة على العطاء والتأثير في الآخرين، في حين أن الغالبية يعتبرون الشيخوخة تقاعداً وانتظاراً النهاية، مما يدفعهم إلى الهروب من تلك الفكرة المؤلمة.

وأضاف أن محاولات التغيير في الشكل التي يجريها الفرد إنكار للواقع الذي يعايشه ولا يرضى به، مؤكداً ان ارتباط الشيخوخة بالتقاعد أو قرب نهاية العمر أفكار خاطئة لأن كل مرحلة من المراحل العمرية لها هدف محدد في مسيرة الفرد في الحياة، والشيخوخة يكون الانسان فيها قد وصل إلى ما يبتغيه ومن ثم فهي مرحلة للعطاء يستطيع خلالها إعطاء خبراته الحياتية والعلمية والمهنية مما يساعد في زيادة الوعي بضرورة التنمية المجتمعية.

ودلل د. ونيس على العديد من النماذج التي حققت نجاحات مبهرة في نواحٍ عدة رغم انهم في مرحلة عمرية متأخرة، سواء على المستوى الأدبي أو العلمي أو التجاري أو الفني، مشيراً إلى أنه لا يمانع في ان يكون الانسان في أحسن صورة طالما انها لا تثير السخرية منه أو الاستهجان بالمجتمع، لأنه عندما يرى نفسه جميلاً تزداد ثقته بنفسه، ويعطي مزيداً في مجال تخصصه بعد أن وجد الجانب المشرق في شكله.

وتؤيد د. آمنة خليفة استاذ علم الاجتماع ومدير عام مؤسسة حميد بن راشد النعيمي للتطوير والتنمية البشرية عمليات التجميل للحفاظ على الصحة والجمال بشرط عدم تعارضها مع القيم المجتمعية والشرع، مشيرة إلى أن تقنين هذا الامر والوعي وعدم الجري وراء المظاهر لا يؤدي لنتائج عكسية وأكدت ان الحفاظ على الشباب يعتمد بالأساس على الصحة النفسية ونوع الغذاء والظروف البيئية، وضرورة التواصل مع الأطباء بهدف المساعدة في الحفاظ على الصحة الجسمية التي تنعكس على الصحة الجمالية، لافتة إلى أن الانسان في بعض الأحيان يحتاج للجوء لأطباء التجميل لاستشارتهم عما يعتري الوجه أو الرأس من عوامل التغيرات العمرية فيتناول الأدوية أو الكريمات، أو علاجاً آخر يراه طبيب التجميل.

وطالبت خليفة بعدم الاسراف بالتفكير في مرحلة الشيخوخة حتى لا يزداد الانسان شيخوخة على شيخوخته ويصبح غير قادر على التواصل مع أسرته والمجتمع، مشيرة إلى أن تلك المرحلة تعد من أهم المراحل العمرية في العديد من الدول الأوروبية ويعتبرها الناس مرحلة عطاء وبداية حياة جديدة.

د. محمد رمضان رئيس قسم علم النفس بأكاديمية شرطة دبي يؤكد أن لكل سن مميزاتها وعيوبها وقدراتها، وأن الانسان يبدأ الحياة ضعيفاً، وقوياً، ثم يضعف. فأين المفر من القدرة الالهية؟.

وأوضح ان جميع عمليات التجميل تفشل في مرحلة الشيخوخة لأنها ضد الطبيعة والفطرة، مشيراً إلى انه لا يصح للمراهق أن يعيش دور الشيخوخة، أو العكس، لأن لكل فرد دوره المتميز جداً عن الآخر، فالمراهق قد يفوقني في السرعة، وأنا أفوقه بالحكمة والإيمان.

وأضاف: عدم التكيف مع كل مرحلة عمرية من المراحل التي يمر بها الانسان، هو مرض نفسي واضطراب في الشخصية، مؤكداً أن الشيخوخة والشباب مشاعر نفسية، ومن الممكن أن نجد شاباً في سن الثلاثين يعيش حالة اكتئاب ومنزوياً بعيداً عن المجتمع، وكهلاً في سن الثمانين يتدفق حيوية.

وقال: القضية تكمن في تساؤل هو: ماذا تفعل بهذه السن تتقبل وتبدع وتنتج أم ترفض وتكتئب؟.

ولفت د. رمضان إلى أن الرضا هو الصحة النفسية، وعدم الرضا هو المرض النفسي، وأن الرضا لا يأتي صدفة وانما نتيجة ايمان يصاحبه نضج عقلي، مشيراً إلى أن منظمة الصحة العالمية اكتشفت ان الايمان القوي يصاحبه الفكر الناضج، ومن هنا يأتي التوافق النفسي ويتم الرضا حيث تكون أطراف المعادلة متساوية.

واتهمت د. حصة لوتاه عميد كلية الإعلام بجامعة الامارات الإعلام بالترويج لذلك عن طريق وهم الناس بأن مرحلة الشباب هي الأمثل للإنسان، خصوصاً في البرامج التي ترعاها الشركات التي تهدف للربح، وفي الملاحق الطبية التي تصدرها المؤسسات الصحافية، موضحة أن كل ذلك يعطي مصداقية عن طريق انها تؤكد حقائق، والناس تؤمن بكل ما تشاهده وتقرأه.

وقالت: الرأسمالية الحديثة رسخت لذلك بطريقة بحتة بتأكيدها ان مرحلة الشباب هي الأكثر عطاء فتشبث الجميع بذلك.

وطالبت لوتاه الإعلام بضرورة عمل توازن يعطي قيمة للحياة والبعد عن الاستهلاك وأن كل شيء قابل للبيع والشراء.

يستغلها الغرب في السفر وممارسة الهوايات

الشيخوخة مرحلة الحرية والمغامرة

إعداد: محمد مزاحم

الشيخوخة في الغرب فترة راحة واستجمام ولكنها ليست القاعدة رغم انتشارها الواسع.

وتعتبر الفترة التي تعقب التقاعد مرحلة جديدة في حياة كبار السن من حيث اكتشاف هوايات جديدة أو التمتع بالحياة لأن ظروف عملهم لم تكن تسمح لهم بذلك. فمنهم من اطلق على الحياة بعد التقاعد الوجه الجميل للتقاعد وآخرون اسموها الحياة الجميلة لعدم وجود مسؤوليات يحملونها.

ولا يعتبر الغرب التقاعد مجرد تاريخ بل حياة جديدة يقبل عليها كبار السن بحيوية، ويخططون لمرحلة الشيخوخة ويحسبون الوقت والمال اللازم للتمتع بها.

ولأن كبار السن في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية يولون اهتماماً خاصاً بمرحلة الشيخوخة ويعتبرونها متنفساً لهم بعد فترة من العمل الشاق والحياة الصعبة، فإنهم غالباً ما يخططون لها. ويعتبرونها نقلة نوعية في حياتهم من حيث الاستمتاع بما لم يقدروا على الاستمتاع به في مراحلهم العمرية السابقة، ولذلك فإن مرحلة التقاعد من العمل الرسمي تعتبر الوجه الآخر لحياة أخرى لكبار السن ينتظرونها على أحر من الجمر.

وتنقسم طريقة عيش كبار السن في الغرب كل حسب هواياته، فمنهم من يلجأ الى ممارسة هوايات يفضلها ولم يكن يستطيع التفرغ لها من قبل مثل ممارسة انواع معينة من الرياضيات كالركض والمشي والرقص وغيرها كالعزف على البيانو.

وهناك من يتطوع أو يختار مهنة غير التي كان يعمل بها أو مهنة بدوام جزئي، وتستطيع أن ترى بوضوح في المؤسسات التطوعية تواجداً لافتاً لكبار السن الذين يعتبرون مساعدة الغير أحد أهم سمات مرحلة الشيخوخة.

ويرى معظم كبار السن الذين يفتتحون مصالح جديدة تمثل وجهاً مغايراً للعمل الذي عملوا فيه طوال حياتهم السابقة. فبعضهم يعتبرها مرحلة تغيير الوظيفة، فمثلاً من كان يحلم بأن يملك دكاناً صغيراً يبيع فيه حاجيات منزلية وعمل طوال حياته في شركة عقارية مثلاً، عندما يتقاعد ويصل الى عمر معين، يرجع الى حلمه السابق فيؤسس بمال التقاعد دكاناً صغيراً يمضي فيه حياته الباقية ويحقق في الوقت نفسه حلماً لطالما راوده.

وهناك من يتحرر نهائياً في فترة الشيخوخة، فيصول ويجول في قارات العالم مع زوجته، يكتشف حضارات العالم السابقة والآثار القديمة، فتراهم في البعثات السياحية والمدن المعروفة، يستمتعون بوقتهم، يدفعهم حب المغامرة.

فمثلاً تقول مال جرنيفيلد من تالا هاسي في ولاية فلوريدا الامريكية إنها بدأت وزوجها حياة جديدة بعد بلوغهما الستين وخروجهما إلى التقاعد. فبدلاً من الحياة المنعزلة الخاملة التي كانا يعيشانها أمام التلفزيون أو في قراءة الكتب، اصبحا يسافران الى اوروبا والكاريبي ويحضران حفلات موسيقية ومباريات كرة قدم امريكية وكرة سلة وعروض مسرحية، وانضمت مال الأستاذة المتقاعدة الى ناد لتعلم النحت والسيراميك، كما انهما يقضيان وقتاً مع حفيدهما في المدرسة الثانوية الذي يسكن معهما.

تستطيع بسهولة تبين الأدوار الجديدة لكبار السن في المجتمعات الغربية وتتنوع من نشاطات تطوعية الى أدوار في تخصصات وهوايات متنوعة، منها الاعتناء بالأحفاد أو ملاحقة اهتمامات فنية ورياضية وابداعية.

وحسب دراسة لمجلة متخصصة أمريكية تسمى اميريبرايس فايننشال، هناك مراحل عدة تبين طريقة تفكير كبار السن خلال مرحلة الشيخوخة والتقاعد.

إحدى هذه المراحل تسمى الانتظار وهي الفترة حتى خمس سنوات ما قبل التقاعد. وهي عبارة عن وقت من الترقب والأمل والحماس، وتتميز بكثرة المشاعر حيث يقضي الناس وقتاً أكثر في التخطيط لمشاريع مستقبلية تشمل هوايات جديدة ومشاريع ترفيهية، ومشاريع تتعلق بالعائلة ككل. المرحلة التالية تحمل اسم التحرير وهي سنة التقاعد والسنة التي تعقبها وتعتبر مرحلة شهر العسل لأن الوقت المقبل هو وقت الراحة والتمتع والحماسة والأمل وتستمر لحوالي سنة. ويشعر كبار السن في هذه المرحلة بالتحرر من المسؤوليات ولكنهم يشتاقون الى اصدقائهم في العمل ولكن يعوضون ذلك بإعادة احياء التواصل المكثف مع عائلاتهم واقاربهم وهواياتهم وسفرياتهم وحتى أعمالهم الجديدة.

وذكرت المجلة ان نسبة 89% من هؤلاء الناس قالوا انهم مشغولون جداً خلال هذه الفترة.

وتأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة وتسمى إعادة التكيف وهي الفترة الممتدة من سنتين الى 15 سنة بعد التقاعد. وإعادة التكيف تعني إعادة ترقيم الأولويات والنشاطات والعلاقات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"