عادي

الطريق إلى سيادة اللغة العربية

02:32 صباحا
قراءة 5 دقائق
صدر منذ أيام قرار حكومي يقضي بأن تكون المخاطبات الرسمية في الدوائر الاتحادية باللغة العربية، ونشهد الآن عام الهوية الوطنية الذي دعا إليه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.

وهذان القراران جاءا ملحاً على جرح، لأن هناك مخاطر جمة تتهدد الهوية العربية لبعض دول المنطقة، وصار الحديث عن مخاطر الخلل في التركيبة السكانية فيها يأخذ أبعاداً خطيرة.

وهذا يدفعنا إلى التفكير في الطريقة العملية المجدية لتحقيق السيادة للغتنا العربية، فهل يكفي توحيد المكاتبات باللغة العربية في الدوائر الاتحادية وحدها لتحقيق التعريب في كافة مناحي الحياة في البلاد؟ أم أنه لا بد أن يعمم ذلك القرار ليشمل كافة الدوائر المحلية أيضاً؟

كيف نعرِّب الحياة في كل مجالاتها لنحقق سيادة العربية؟ وما الطرق العملية لتحويل القرارات الرسمية إلى واقع عملي؟ وما المؤسسات الفاعلة في تحقيق هذا الهدف؟

أول ما يخطر بالبال مؤسسات التعليم: الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي، ووسائل الإعلام: المقروء والمسموع والمرئي، ودوائر الدولة الرسمية: المحلية والاتحادية.

وقبل ذلك لابد من قرار رسمي عام ملزم للمؤسسات التعليمية والإعلامية والدوائر الرسمية أن اللغة العربية وحدها لها السيادة في جميع مجالات الحياة، وأنها شرط لا محيد عنه في التوظيف، وتولي المناصب، والترقي فيها. كما أنها شرط يُلزَم به كل عامل وافد مهما كان تخصصه، بأن يكون لديه الحد الأدنى من الكفاية اللغوية العربية.

ثم ننتقل إلى مؤسسات التعليم، التي تنقسم إلى قسمين: مدارس رسمية تابعة لوزارة التربية، وأخرى خاصة. فالمدارس الرسمية تعلم بالعربية، وتحتاج إلى قوة دفع جديدة: وذلك بأن يعاد النظر في مناهج تعليم العربية لتؤسس على أحدث الطرق العلمية والعملية الناجعة. وأن ينظر في وضع المدرسين عموماً، ووضع مدرس العربية خصوصاً، فلا يقبل من المدرسين إلا الخريجون المتفوقون، ويعطوا أعلى مرتبات في الدولة، ويشترط عليهم أن يطوروا أنفسهم باستمرار، بأن يطلعوا على أحدث المعارف المستجدة في العالم في مجال تخصصاتهم، وأن يُختبر مدى تأثيرهم في طلابهم، ومدى إخلاصهم في حمل التعليم رسالة للنهوض ببلدهم. وأن تجري ترقيتهم بناء على نتائج تلك الاختبارات، ليكون حصول الخريج الجامعي على وظيفة في التعليم حلماً يسعى إلى تحقيقه بكل ما أوتي من قوة. وليكون سعيه، وهو طالب، إلى الحصول على المعرفة والخبرة، لا على مجرد الشهادة الجامعية.

أما المدارس الخاصة ففيها مجموعة من المشاكل التي تكاد تستعصي على الحل إن لم يسارع صاحب القرار إلى حلها بسرعة وحزم لا تراجع عنه. وطلاب المدارس الخاصة قسمان: ناطقون بالعربية، وناطقون بغيرها.

أما الناطقون بالعربية من طلاب المدارس الخاصة فيُلزمون بدراسة مناهج وزارة التربية، وهي مناهج بالعربية.

أما الناطقون بغير العربية فلهم الحرية بأن يدرسوا مناهج الوزارة العربية، أو المناهج التي تقررها المدرسة الخاصة، مع التأكيد على منهج موحد للغة العربية تعتمده وزارة التربية، ويعمم على جميع المدارس الخاصة، حتى يخرج الطالب غير العربي بحصيلة لغوية عربية تمكنه من التعامل اليومي في بيئة عربية. وتكون وزارة التربية هي التي تضع أسئلة الاختبارات للغة العربية، ويجري تصحيحها فيها لجميع المستويات.

وما يجري على المدارس الرسمية والخاصة يطبق على رياض الأطفال: أي أن الطالب العربي يدرس لغته حصراً، وغير العربي يُخيَّر، وعلى أي حال يكون ملزما بدراسة منهج تضعه الوزارة لتعليم العربية في رياض الأطفال.

وهناك منهج جديد لرياض الأطفال جرى تطبيقه في الكويت وسوريا وبعض الدول العربية، ويسمى منهج تعليم العربية بالفطرة: وذلك بألا يسمع الطفل في الروضة إلا اللغة العربية الفصحى المضبوطة بالحركات، وقد شاهدت نماذج لمجموعة من الأطفال في الكويت على شاشة التلفاز يتكلمون العربية الفصحى قبل أن يعرفوا حروفها الأبجدية، لأنهم لم يسمعوا في رياضهم إلا العربية الفصحى.

وأما الجامعات العربية فهنا المشكلات التي قد تبدو مستعصية، فمن المعلوم أن الجامعات العربية، ما عدا سوريا، وبعض الكليات في البلاد العربية، تدرس العلوم والطب والصيدلة والهندسة والإدارة وغيرها باللغة الإنجليزية في معظم البلاد العربية، والفرنسية في تونس والجزائر والمغرب. وبعضها تفرض على الطالب أن يحصل على شهادة التوفل بدرجات معينة. وهذا وضع شاذ بين دول العالم، فلا نكاد نجد أمة من الأمم تدرس أبناءها بغير لغتها إلا الأمة العربية، مع علم الجميع أن هناك حاجة لمعرفة الإنجليزية؛ ولذلك نجد معظم دول العالم تعلم أبناءها اللغة الإنجليزية بوصفها لغة ثانية، وليست بديلة عن لغتها الأم.

كيف السبيل إلى تعريب التعليم في الجامعات العربية؟ الأمر ميسور على من كان يمتلك الإرادة والإيمان: وهو قرار من بضعة أسطر يصدر عن أعلى سلطة في الدولة ينص على إلزام الجامعات بأن تعرب مناهجها. وستجد الجامعات السبل إلى تطبيق ذلك القرار. ولا ينظر إلى ما يروجه بعض المدرسين الذين درسوا في الغرب من أنهم لا يستطيعون التدريس بالعربية، فإنهم إذا خُيِّروا بين التعليم بالعربية أو الاستغناء عن خدماتهم فسيجدون الوسيلة إلى التعليم بالعربية.

ويتبع ذلك القرار قرار آخر بإحداث هيئة للترجمة والتعريب تترصد أحدث ما يستجد في العالم من كتب علمية وتعمل على تعريبها ونشرها بسعر التكلفة ولا تقتصر على الترجمة من الإنجليزية، فهناك مبدعون وعلماء في دول أخرى ناطقة بغير الإنجليزية، كالفرنسيين والروس والألمان واليابانيين والهنود والصينيين وغيرهم، فلا يجوز أن نظل بعيدين عما ينتجه هؤلاء في جميع ميادين المعرفة.

اليابان مثلاً بنت نهضتها على نظام تعليمي متطور، وتقوم بثورة في مجال الترجمة عن جميع اللغات، وقد قرأت منذ مدة أن ما تترجمه اليابان إلى لغتها في سنة واحدة يعادل ما ترجمته الدول العربية مجتمعة إلى لغتها منذ أن اخترعت الطباعة إلى اليوم!

أما وسائل الإعلام فإن الصحف لا تزال تلتزم اللغة الفصحى غالباً، وكذلك المذياع الذي بدأ ينحسر تأثيره، والمشكلة تكمن في التلفاز، فقد صار الوسيلة الإعلامية الأخطر والأكثر تأثيراً، وخاصة بعد انتشار القنوات الفضائية انتشاراً كبيراً. وما يُعرض في القنوات الفضائية مزيج من العامية والفصحى: فالأخبار والبرامج الدينية والتعليقات السياسية والخطب الرسمية والمسلسلات التراثية لا تزال لغتها الفصحى، ولكن البث المباشر والمسلسلات والمسرحيات والندوات والأغاني وغيرها تستعمل اللهجة العامية.

وهنا تبرز أهمية القرار السياسي بإلزام القنوات الفضائية العربية بأن تبث برامجها بالفصحى، ولا تلجأ إلى العامية إلا عند الضرورة القصوى، ولا بأس من التخفيض التدريجي للبرامج التي تبث بالعامية، على أن تكون شراً لابد منه، تسعى القنوات الفضائية إلى التخلص منها عند أول فرصة. فمن يتخذ هذا القرار المهم؟ إنه مؤتمر القمة العربية الذي عليه أن يتبنى هذا القرار على مستوى الأمة كلها. ومع ذلك تستطيع كل دولة على انفراد أن تتخذه ريثما يصبح قراراً عاماً يتبناه الحكام العرب جميعاً.

فإذا تركت القنوات الفضائية تبث بالعامية فستصبح الأمة أمماً بعدد لهجاتها، وستنحسر اللغة العربية الفصحى عن مجالات الحياة، فلا بد من موقف تاريخي شجاع يعيد للأمة لغتها وكرامتها ووحدتها ولغة كتابها الكريم.

* جامعة الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"