غضبة روسية في كاراباخ

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

بدأت الحرب المستعرة بين أرمينيا وأذربيجان تنسحب تدريجياً من وسائل الإعلام، على الرغم من بيانات القتال وإعلان تقدم هنا وقصف وقتلى هناك. ربما يعود ذلك إلى انشغال المجتمع الدولي بالانتخابات الأمريكية، ولكن أيضاً لأن طرفي الحرب لم يعد بإمكانهما الإمعان في الصراع أكثر، لاعتبارات تخص البلدين، وأيضاً بسبب توقف المبادرات الساعية إلى إيجاد حل للنزاع.

الحرب وسيلة لتحقيق ما عجزت عنه الدبلوماسية، أما إذا فشلت الحرب في تغيير الوقائع فيصبح المتحاربون مضطرين إلى العودة إلى قواعد اللعب الأولى والإبقاء على الأمر الواقع. ويبدو أن هذا الأمر سيكون المآل الذي تصل إليه مجريات القتال في إقليم ناغورنو كاراباخ، وقد تظل بعض الوقت «حرباً منسية» إلى أن تخمد نيرانها ذاتياً. ومن أسباب ذلك، أن طرفي الصراع تجاهلا الوساطات الدولية الرامية إلى وقف القتال، فقد أبرمت روسيا هدنة أولى لم تصمد إلا ساعات قليلة، ثم جاءت ثانية برعاية أمريكية، وثالثة أبرمت في باريس، ولكن الخروق ورغبة الطرفين في تحسين شروط التفاوض لدى كليهما، أطاحت الالتزامات المنصوص عليها في المعاهدات الدولية. 

وبعد الفشل في وقف إطلاق النار تحركت الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة للتحقيق في «جرائم حرب» محتملة ارتكبها الطرفان، وإذا فتح هذا الملف وأصبح متداولاً فسيجلب كثيراً من المتاعب لباكو ويريفان؛ لأن هناك أدلة كثيرة على وقوع جرائم، وهناك استياء شديد من تدخل أطراف خارجية وعناصر تخريب فائقة الخطورة.

التحذيرات الدولية من وجود عناصر إرهابية في الصراع، أمر واضح ولا يحتاج إلى أدلة، وقد عبرت عن ذلك بصراحة تامة، روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، وصدرت عن هذه الدول وغيرها اتهامات بالأدلة ضد تركيا التي تورطت في النزاع، وأذكت نيرانه بمئات من المرتزقة، فضلاً عن التقارير العديدة التي تشير إلى «تدخل عسكري» تركي مباشر لأهداف تضرب مباشرة مصالح أطراف دولية عديدة؛ بل إن هناك غضباً روسياً متعاظماً من تجاهل طرفي الصراع لنداءات وقف الحرب، بينما وقفت أنقرة، الداعمة لباكو، على حقيقة أن موسكو تحضر لتحرك ما، قد ينسف كل الأحلام التركية، لا سيما بعد أن أكدت روسيا قبل أيام، أنها على استعداد للتدخل المباشر لحماية أرمينيا إذا تجاوزت أذربيجان الخطوط الحمراء.

لا قوة في القوقاز يمكن أن تفرض أمراً دون التعاون مع روسيا، كما أن دول المنطقة لا تستطيع أن تتجاهل تلك الحقيقة. ومع بلوغ الحرب يومها الخامس والسبعين، جددت موسكو دعوة أرمينيا وأذربيجان إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وعدم السماح للقوى الخارجية بالتدخل، واستئناف المفاوضات. وبالقدر الذي تبدو فيه الرسالة دبلوماسية، فقد بدت شديدة الحزم عندما أشارت إلى تلقي موسكو معلومات عن نقل عناصر مسلحة من الشرق الأوسط إلى منطقة كاراباخ، وحين يوضع هذا الإعلان في سياقه، فإنه يؤشر إلى إجراءات أخرى، منها تحميل تركيا مسؤولية التحريض على الحرب، فضلاً عن الغضب على أرمينيا وأذربيجان، وما يمكن أن يستتبعه ذلك من عواقب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"