تهدئة هندية ــ صينية

23:07 مساء
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

بعد أشهر من التوتر والوقوف على شفا صدام مسلح، توصلت الصين والهند إلى اتفاق حول التزامهما بضبط النفس على الحدود. وبالنظر إلى الاتصالات السابقة، فإن هذا الإنجاز المبدئي يؤكد حاجة تلك المنطقة إلى التهدئة والسلام استعداداً لمرحلة جديدة من إعادة بناء العلاقات والتحالفات في عالم ما بعد كورونا ونتائج الانتخابات الأمريكية.

 الصين والهند أكبر دولتين في آسيا وهما قوتان اقتصاديتان ذاتا شأن إقليمياً ودولياً. ولأنهما نوويتان ومتنافستان منذ القدم، فإن التعاون بينهما هو الأقرب إلى الواقع، وما سواه محض خيال، فلا يمكن، لاعتبارات عدة، أن يدخل البلدان في حرب مفتوحة، بدليل المواجهة المحدودة التي وقعت في شهر مايو (أيار) الماضي وسط تضاريس جبال الهيمالايا الوعرة، وقد قتل حينها عشرون جندياً هندياً في أسوأ مواجهة بين الجارتين منذ 45 عاماً. 

وقبل ذلك بأشهر، وخلال اشتباك حدودي، ألقى الجنود الصينيون والهنود الأسلحة المتطورة من أيديهم واشتبكوا بالعصي والحجارة خشية تطور الموقف. ودلالة ذلك الأسلوب أن القتال البدائي أسلم مليون مرة من استخدام أسلحة القرن الحادي والعشرين الفتاكة بين دولتين تمتلكان أكبر جيشين على وجه الأرض. ويكفي هذا السلوك وغيره حجة على أن البلدين أقرب إلى التعاون وحل الخلافات بالحوار والمفاوضات لتنمية المصالح المشتركة وتعزيز الأمن في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي.

 لا يمكن الإغراق في التفاؤل بأن الصين والهند يمكن أن تتجاوزا خلافاتهما التي تعود إلى بدايات نشأة الدولة الحديثة في البلدين، أي منذ منتصف القرن العشرين، فهناك خلافات حدودية تمتد على نحو 3500 كيلومتر، وتشهد من حين إلى آخر أزمات مفاجئة تفجرها إما مناورات عسكرية غير منسقة أو توغل من هذا الطرف أو ذاك بهدف تغيير الوضع القائم، أو القيام بأعمال تتعلق بالبنى التحتية. وكثيراً ما شكت نيودلهي من تكتيكات صدامية تتخذها بكين، وبعضها يؤدي إلى استقدام الحشود العسكرية على الطرفين، بالتوازي مع تسريع وتيرة المناورات وتجريب أحدث الأسلحة. وكل هذه الإجراءات تعتبر طبيعية و«إيجابية» إذا كان هدفها تحقيق التوازن تمهيداً لإبعاد الخيار العسكري في أي جهد لتفكيك الخلافات المزمنة. ويبدو أن ما تم التوصل إليه مؤخراً يصب في هذا الاتجاه.

 كل التوقعات تشير إلى أن مركز العالم بدأ ينتقل تدريجياً من الغرب إلى الشرق، وتحديداً إلى منطقة جنوبي آسيا، حيث تلعب الصين والهند مع دول أخرى دوراً مهماً. فالصين أصبحت لاعباً محورياً وصانع سياسات، والهند في طريقها إلى تحقيق مستويات أفضل. وهذا ليس مجرد فرضيات، بل حقيقة واقعية وقناعة في الغرب سواء لدى القوى الأوروبية أو الولايات المتحدة. وبمناسبة التغيير الحاصل في الإدارة الأمريكية، فإن واشنطن ستواصل الدفاع عن مصالحها في آسيا، وستستمر سياستها تراوح بين الشد والجذب مع بكين. وبدورها تدرك بكين هذه الحقيقة، وهي مستعدة لها، وربما سيكون من حسن استعدادها حل الخلافات مع الهند وتأمين الفضاء الإقليمي للتفرغ إلى ما هو أبعد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"