عادي

«جوتنبرج» و«ملقا».. عاصمتا السياحة الذكية في أوروبا

22:16 مساء
قراءة 5 دقائق
1
1
1

إعداد: هشام مدخنة

باعتبارها مركزاً للإبداع والنشاط الاجتماعي، تبتكر وجهات السياحة الذكية حلولاً تفيد السكان المحليين لتعزيز تجربة الزوار. وفي الاتحاد الأوروبي، حيث السياحة هي ثالث أكبر نشاط اجتماعي واقتصادي، وتشكل حوالي 10% من الاقتصاد، بدأت العديد من المدن تحرز تقدماً ملحوظاً في هذا الخصوص. وعليه أتت مبادرة «عاصمة السياحة الذكية»، متوجة وجهات السياحة الأوروبية التي تسعى لتحقيق الشمولية والإبداع والكفاءة الرقمية والاستدامة.

تتبنى السياحة الذكية أساليب مبتكرة ورقمية وصديقة للبيئة أثناء السفر. من تنظيم تدفق المسافرين ودعم المجتمعات المتنوعة إلى تحقيق أقصى استفادة من الواقع الافتراضي واستخدام أحدث التقنيات لكسر حواجز اللغة، وتراها تستجيب للمطالب القديمة والجديدة في صناعة سريعة التغير.

تعزيز السياحة الذكية في جميع أنحاء أوروبا

توجت لعام 2020 كل من «جوتنبرج» ثاني أكبر مدن السويد، «ملقا» الإسبانية، بجائزة «عاصمة السياحة الذكية في أوروبا» وتمت الإشادة بهما وإعادة التعريف بالعروض السياحية الخاصة بهاتين المدينتين.

تهدف مبادرة العاصمة الأوروبية للسياحة الذكية إلى تسليط الضوء على الوجهات ذات التفكير المستقبلي. فعلى مدار العامين الماضيين، حددت المبادرة معايير التميز في السياحة الذكية عبر أربع فئات وهي، إمكانية الوصول، والاستدامة، والقدرة الرقمية والتقنية، إضافة إلى التراث الثقافي والإبداع.

وبدلاً من التصرف بشكل صارم كمسابقة، كان الهدف من هذه المنافسة، التي نفذتها المفوضية الأوروبية عام 2018، هو أخذ أمثلة من وجهات السياحة الذكية الرائدة وتوفير منصة للمدن الأخرى لاكتشاف تلك الأفكار وتطويرها، مع تعزيز التعاون. وكانت خلاصة أفضل الممارسات الخاصة بالمبادرة مليئة بقصص النجاح. حيث أطلقت المبادرة دليلاً مجانياً للوصول إلى السياحة الذكية عبر صور تعرض تفاصيل كل شيء بدءاً من أكواب القهوة القابلة لإعادة الاستخدام في مدينة «كارلسروه» الألمانية، وإدارة النفايات الذكية في العاصمة السلوفيينية «ليوبليانا»، إلى المبادرات الرقمية المستقبلية مثل برنامج «وي تشات» الخاص بمدينة هلسنكي عاصمة فنلندا والمصمم للسياح الصينيين.

«جوتنبرج» مرآة السويد السياحية

تتمتع مدينة جوتنبرج، رائدة التقدم الرقمي والاستدامة، بجميع سمات الوجهة السياحية الرائدة في القرن الحادي والعشرين. ويعني نهجها القوي في التعامل مع التكنولوجيا أن الزوار والسكان المحليين على حدٍ سواء يستفيدون من تغطية شبكات الجيل الرابع والجيل الخامس الواسعة النطاق، ووسائل النقل العام ذات التطلع المستقبلي، والشبكات الذكية لحركة المرور والكهرباء. كما تتبنى المدينة الساحلية أيضاً، التي تمت الإشادة بها باعتبارها الوجهة الأكثر استدامة في العالم في مؤشر «استدامة الوجهة العالمية» لأربع سنوات متتالية، نهجاً رائداً في أهداف خفض الانبعاثات الكربونية السامة، وتم اعتماد معظم فنادقها صديقة للبيئة. وتمتد المبادرات الخضراء إلى مهرجانات المدينة، بدءاً من مهرجان جوتنبرج الثقافي الذي يستمر ستة أيام ويهدف للتخلص من جميع العبوات البلاستيكية غير الضرورية، إلى مهرجان «ويه آوت ويست» الذي يلتزم بشفافية المناخ.

«ملقا» حسناء الأندلس الإسبانية

في الوقت ذاته، حوّلت إسبانيا، مدينة «ملقا» من منطقة عادية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط إلى مركز للابتكار. حيث تتراوح مبادرات الاستدامة الخاصة بها من أنظمة الري الذكية للمتنزهات والحدائق والجهود المبذولة لتحسين جودة الضوضاء، إلى تركيب إضاءة «إل إي دي» لإنارة الطرق العامة واعتماد محطات واسعة لانطلاق وتأجير الدراجات الهوائية وممرات خاصة بهذه الدراجات.

30 متحفاً

تبنت السلطات المحلية أيضاً التكنولوجيا التي تهدف إلى تحسين تجربة الزوار ومساعدة الشركات على الابتكار. وعززت المدينة جاذبيتها الثقافية، مستضيفة أكثر من 30 متحفاً في العشرين عاماً الماضية، بما فيها مركز بومبيدو «ملقا»، الذي يوفر نهجاً جديداً من تحويل المباني القديمة إلى محاور حيوية للفنون والثقافة. ويعد «تاباكاليرا» أحد أفضل الأمثلة على نهج «ملقا» التراثي في تحويل مصنع سابق للتبغ إلى متحف للسيارات والأزياء، وهناك أيضاً المتحف الروسي، بالإضافة إلى مركز المحتوى الرقمي الوطني الإسباني، حيث يستخدم فنانو العصر الحديث الواقع الافتراضي لتحسين السياحة والقطاعات الأخرى. وكل ذلك على بعد مسافة قصيرة من البحر.

بالإضافة إلى عاصمتي 2020 «ملقا» و«جوتنبرج»، حصلت أربع مدن على جوائز السياحة الذكية الأوروبية في فئات مختارة: مدينة «بريدا» في هولندا لإمكانية الوصول، ومدينة «ليوبليانا» عاصمة سلوفينيا في القوة الرقمية، ومدينة «كارلسروه» الألمانية للتراث الثقافي والإبداع، و«جوتنبرج» عن فئة الاستدامة.

الطريق إلى الأمام

من خلال مكافأة هذه الوجهات على اعتبارها رائدة الابتكار، تساعد مبادرة العاصمة الأوروبية للسياحة الذكية المدن على جذب المزيد من الزوار، ولكن هذا ليس كل شيء. يمكن للسياحة الذكية أيضاً أن تلعب دوراً في مكافحة الآثار الاجتماعية والبيئية والاقتصادية السلبية للسفر ومساعدة الصناعة على الاستجابة للتحديات.

اختبر ممثلو «عواصم 2020 للسياحة الذكية» مؤخراً وعن كثب إمكانية دعم السياحة الذكية للتعافي بعد الجائحة. حيث قدمت جوتنبرج دروساً من نهج عدم الإغلاق في السويد، وسلطت الضوء على أهمية مشاركة المعلومات وجذب الزوار الإقليميين والاستثمار في التكنولوجيا لرقمنة المعالم السياحية والأحداث. وفي الوقت نفسه، شددت «ملقا» على الحاجة إلى دعم الشركات الصغيرة وإشراك الأعمال المحلية في طرح الأفكار والحلول الجديدة.

تُظهر المدينة الإسبانية أيضاً أنه من خلال التدابير المرنة والمبادئ التوجيهية الصحية الصارمة، لا يزال بإمكان الأحداث المضي قدماً. وبينما كان لا بد من إلغاء التجمعات الكبيرة، عُرض على الحاضرين في منتدى الذكاء الحضري والاستدامة، «جرين سيتيز»، على سبيل المثال، فرصة إجراء «الاختبار المستضد السريع» لفيروس كورونا كجزء من مخطط تجريبي برعاية مدينة «ملقا».

تحسين السفر للجميع

يمكن لأي شخص يزور «ملقا»، التي تعد واحدة من أقدم المدن في أوروبا مع ما يقرب من 3 آلاف عام من التاريخ الراسخ أمام الناظرين، أن يختبر بشكل لا يقاوم سحرها الحضري والطبيعي. ويستطيع المسافرون تنزيل التطبيقات لإرشاد أنفسهم عبر مجموعة المتاحف والمعالم السياحية أو مسح رموز الاستجابة السريعة «كيو آر» في أماكن مختلفة ومهمة في جميع أنحاء المدينة للحصول على معلومات أثناء التنقل. كما أعادت المدينة المشمسة إحياء العديد من مساحاتها الطبيعية، بما في ذلك إتاحة الوصول الكامل لثمانية شواطئ لذوي الاحتياجات الخاصة وتجهيز اثنين بأجهزة داعمة للمكفوفين. وصممت «ملقا» أيضاً موقعاً إلكترونياً وتطبيقاً لعرض معلومات مثل ازدحام الشاطئ وارتفاع الأمواج ووجود قناديل البحر. كما وأصبح الوصول إلى أماكن الجذب وركن السيارات أسهل الآن أيضاً، حيث تساعد المستشعرات الموجودة في مواقف السيارات في «ملقا» السائقين على تحديد الأماكن المتاحة وبسرعة.

من جانب آخر، يفيد التزام جوتنبرج القوي بالتكنولوجيا الزوار. فعلى سبيل المثال، أدخلت مدينة ملاهي «ليزبرج»، وهي واحدة من أشهر مناطق الجذب في السويد، مؤخراً نظام انتظار افتراضي، بينما خضع كل من «متحف روسكا» و«متحف مدينة جوتنبرج» لعمليات تجديد لزيادة إمكانية الوصول.

ولمحبي الطبيعة اهتمام خاص وجيد في المدينة السويدية، حيث تتيح مبادرة حرية التجول في السويد للجميع الاستفادة إلى أقصى حد من المساحات المفتوحة المترامية الأطراف في البلاد، مثل الأرخبيل الوعر في المنطقة. ويمكن للمسافرين أيضاً الاستفادة من مبادرة لقاء السكان المحليين، التي تربط الزوار بالسكان المحليين وتقدم لمحة واسعة عن الحياة اليومية في السويد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"