عادي

الفلسفة تزاوج بين الفن والتاريخ

20:08 مساء
قراءة 3 دقائق
1

القاهرة- الخليج:
العلاقة بين الفن والتاريخ من الموضوعات التي طرحت على بساط البحث الفلسفي على مر العصور، ولعل أشهر من طرحها في العصور القديمة هو أرسطو، فالفلسفة عنده تحتل مرتبة سامية، يقترب من هذه المرتبة الشعر ويتلوه التاريخ، وقد عبر أرسطو عن ذلك بقوله: «إن الشعر أقرب إلى الفلسفة وأسمى مرتبة من التاريخ».
أما في الحقبة المعاصرة فقد صدرت عدة دراسات تربط ما بين التاريخ والفن بصفة عامة، ولا سيما الشعر، وقد شغلت العلاقة بين مفهوم التاريخ والفن فلاسفة العصور الحديثة، خاصة فلاسفة عصر التنوير في القرن الثامن عشر، وفي القرن التاسع عشر تناولت المدرسة الألمانية مفهوم التاريخ في علاقته بالفن من جهة، أو بالعلم من جهة أخرى.
ورغم الاختلاف حول هذه القضية فإن التاريخ قد يستفيد من العلم، من دون أن يمنعه هذا من أن يستفيد من الفن، وفي هذا التقارب بين الفن والتاريخ تكمن العلاقة التبادلية بينهما، فمن الممكن أن نرى الفن برؤية تاريخية، وأن ننظر إلى التاريخ من وجهة نظر الفن، فكما أن المؤرخ يحتاج إلى حدس الفنان لتفسير الجزئيات المتناثرة، فإن الفنان يحتاج إلى دأب المؤرخ ومثابرته في السيطرة على مادته.
يشير د. سامح الطنطاوي في كتابه «الفن والتاريخ بين كروتشة وكولنجوود» إلى أن الإشكالية تكمن في محاولة تحليل العلاقة الملتبسة المركبة بين فكر كل من الفيلسوفين، مع البحث عن الكيفية التي يتفق فيها الفن والتاريخ، أو يختلفان، في توظيفهما للأفكار والمفاهيم المختلفة، مثل فكرة الحدس أو الخيال، وفكرة السرد أو الرواية، وفكرة التاريخ بوصفه سيرة ذاتية، وكيفية ربط كروتشه بين التاريخ والحكاية، والتاريخ والشعر، أو ما يدعى الجانب اللاعقلاني في التاريخ، وكذلك اليوتوبيا والتاريخ وفكرة الزمان بين الفن والتاريخ.
الفن عند كروتشه تركيب جمالي أولي، بمعنى أنه مؤلف من العاطفة والصورة على شكل حدس أو عيان، ويستعير كروتشة عبارة كانط المشهورة التي تقول: «إن العاطفة بدون الصورة عمياء والصورة بدون العاطفة جوفاء»، وهذا ما يؤكد لنا أن الفن عند كروتشه تعبير حدسي باطني خيالي مكتمل داخل عقل الفنان، وهذا مرتبط بفلسفته الروحية، وبفهمه للمادة على أنها قد انتهت إلى مبدأ لا مادي.
أما الفن عند كولنجوود فلم يخرج بعيداً عن المدرسة التي انتمى إليها كروتشه، فذهب إلى أن الفن عبارة عن حدْس وتعبير، ورفض القول إن الفن يعني الصنعة والتقنية، كما رفض أيضاً ما ذهب إليه فلاسفة اليونان حينما قالوا إن الفن محاكاة وتمثيل للأشياء، وانتهى إلى أن الفن يسعى إلى تحقيق المتعة الخيالية، وأن لكل فرد تجربته الخيالية الخاصة به، فالفن لا يمثل انعكاس الواقع على عقل الفنان، ومشاعره، بقدر ما يمثل انعكاس خيال الفنان وبصيرته على الواقع.
أما مفهوم كروتشه للتاريخ فإنه يستند إلى عمل الحدس، شأنه شأن الفن، وقدّم لنا كولنجوود نوعية جديدة من المعرفة التاريخية، وتمثل لديه نوعاً من المعرفة المميزة لها طابعها الخاص، وماهيتها المستقلة، ومعناها المتفرد، ومن هنا ذهب إلى الحكم بخطأ نظرية المعرفة التي تعني أن الرياضيات أو فلسفة الأديان أو العلم، أو هذه كلها مجتمعة، يمكنها أن تحيط علماً بألوان المعرفة الإنسانية كلها، فالتفكير التاريخي له هدفه المميز والمستقل، ومن هنا لا يمكن للنظرة العلمية أن تستوعب المعرفة التاريخية، وتطبعها بطابعها، وفي هذا يلتقي التاريخ والفن على صعيد واحد، كما هو الحال عند كروتشه.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"