عادي

رسامون بين الصحافة واللوحة الزيتية

20:40 مساء
قراءة دقيقتين
1

هل تعد الرسوم الإيضاحية المصاحبة لنصوص مقروءة في الصحف فناً مستقلاً يتوازى مع لوحات التصوير الزيتي مثلاً؟ هل تملك هذه الرسوم شروطاً وتقنيات خاصة تختلف عن لوحات المعارض الفنية؟ وهل هناك بناء هرمي متصاعد لهذا الفن بما يشكل مدارس فنية مختلفة وتتابعا لأجيال متصلة من المبدعين؟
حول هذه الأسئلة يدور كتاب الفنان د. رضا عبد السلام «رسامون بين الصحافة والمعارض» حيث يجتهد للإجابة عنها من واقع خبرته الخاصة كواحد من هؤلاء الرسامين، ممارسي الرسم بالصحافة ثلاثين عاما في مؤسسات كبرى كالأهرام ودار الهلال، بجانب عمله أستاذاً أكاديمياً، ومن واقع اشتغاله كذلك كمصور يبدع اللوحة كعمل فني مستقل، عن أي وظيفة إيضاحية مكملة لنص قد لا يعبر بالضرورة عن قناعته الذاتية.
ومن خلال استعراضه لعشرات الرسامين الصحفيين وجد أن نسبة كبيرة منهم تمارس مثله المجالين في الوقت نفسه، بدءا من أجيال الرواد في هذا المجال، مثل الفنانين حسين بيكار والحسين فوزي ومنير كنعان وجمال كمال وعبد الغني أبو العينين وجورج البهجوري وهبة عنايت وحلمي التوني، ومن المعاصرين أمثال محمد حجي ومكرم حنين وجميل شفيق ومحيي اللباد وجودة خليفة ومحمد الناصر ومحمد الطراوي وغيرهم.
هؤلاء زاوجوا بين فن اللوحة وفن الصحافة، وإن اختلفوا في مدى تطابق أساليبهم الفنية في المجالين بنفس السمات، عن آخرين، ميزوا بشكل قاطع بين أساليبهم في لوحة الحامل وأساليبهم في رسوم الصحيفة أو بين المباشرة التوضيحية التي يقتضيها التعامل مع الذائقة العامة للجمهور غير المدرب جمالياً ( إلى حد الأناقة والحلاوة الشكلية المحاكية للطبيعة بنظرة مثالية كرسوم بيكار) وبين الحس التجريبي الحر الذي قد يصل إلى الاختزال الشديد بعيداً عن الواقعية إلى حد التجريد (الفنانان الحسين فوزي ومنير كنعان نموذجا) وقد يتراوح بقية الفنانين بين هذا وذاك قربا أو بعدا.
حرص الفنان رضا عبد السلام في عرضه لأعمال هؤلاء الفنانين على تتبع تعبيرهم عن مناخ الحقبة التاريخية التي لمعوا فيها خلال الستينات، والسبعينات على وجه الخصوص، بأهدافها الوطنية والسياسية والاجتماعية، وانحيازهم لمبادئها حول العدالة الاجتماعية والقضايا الوطنية، وركز على قناعتهم بأهمية انتشار الفن جماهيريا من خلال الصحافة، بأضعاف درجة انتشاره من خلال قاعات المعارض الخاصة، وكان ذلك في الماضي اقتناعا من الفنان بدوره في المجتمع، شأنه شأن الأديب والمفكر والكاتب السياسي الذين يتفاعلون مع الجمهور.
وهو اقتناع يتناقض تماماً لدى الأجيال الأخيرة من الفنانين، حيث تحولت بؤرة اهتمامهم نحو إقامة المعارض الخاصة، ولو كان جمهورها يمثل فئة نخبوية محدودة، لكن ذلك قد يحقق لهم مكانة أكبر في الوسط التشكيلي وأوساط النخبة، إلى جانب ما يعد به من تحقيق دخل مادي مجز عند اقتناء أعمالهم بأسعار عالية، مقارنة بما يتقاضاه الرسام الصحفي.
يعالج الكتاب إبداع شريحة مهمة من الفنانين في جانب مسكوت عنه، ولم يأخذ ما يستحقه من التنوير، بالرغم من حصول بعضهم على شهرة واسعة من خلال الرسوم الصحفية، ربما أكثر مما حققها آخرون من خلال معارضهم الخاصة.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"