مقال مدفوع
المحتوى برعاية:
بنك سنغافورة

هل نخشى التضخم في 2021؟

00:00 صباحا
قراءة 6 دقائق
بنك سنغافورة

بقلم منصور محي الدين، كبير الاقتصاديين، بنك سنغافورة

في السبعينيات، بلغ التضخم أرقام مزدوجة في العديد من الاقتصادات الكبرى، فقد قامت الحكومة الأمريكية بتوسيع الإنفاق على البرامج الاجتماعية وحرب فيتنام، وقامت أيضاً بتخفيض قيمة الدولار الأمريكي من خلال إزالة ارتباطه بالذهب. وقد أدت الصدمات النفطية التي شهدها عام 1973 ثم في عام 1979 إلى المزيد من الارتفاع في الأسعار.

ولكن في الثمانينيات، قام بول فولكر، رئيس مجلس البنك الاحتياطي الفيدرالي، بسحق التضخم من خلال أسعار الفائدة المرتفعة للغاية على الرغم من المعارضة السياسية القوية.

ومنذ التسعينيات، كان التضخم هادئاً حيث حددت البنوك المركزية المستقلة أسعار الفائدة للإبقاء على ارتفاع أسعار المستهلك محدوداً بنسبة 2% في السنة.

ولكن في النصف الأول من عام 2021، من المتوقع أن يرتفع التضخم مرة أخرى. فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يتجاوز مقياس التضخم المستهدف من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي - نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية - هدف البنك المركزي 2% من 1.4% سنوياً في الوقت الحالي. كما انخفضت أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية بشكل حاد في شهري مارس وإبريل مع بداية الوباء. ولكن في الربيع المقبل، سوف تتراجع القراءات الضعيفة عن المقياس السنوي. وهو ما من شأنه أن يرفع من معدلات التضخم الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي في أوائل عام 2021 نحو 2.0% على أساس سنوي.

ومن ناحية أخرى، قد يؤدي توفير اللقاحات أيضاً إلى زيادة معدلات التضخم في عام 2021، حيث يتمكن المستهلكون أخيراً من خفض مدخراتهم التي تراكمت خلال عمليات الإغلاق هذا العام. فقد ارتفع معدل الادخار في الولايات المتحدة إلى 33% من الدخل الشخصي في إبريل 2020 حيث وزعت الحكومة شيكات تحفيزية على الأسر. حتى الآن، لا يزال معدل الادخار أعلى من 13% مما يمنح المستهلكين أموالاً كافية لإنفاقها مرة أخرى.

إن القلق على المدى القريب بالنسبة للمستثمرين هو ما إذا كان ارتفاع معدلات التضخم في عام 2021 قد يثبت أنه مؤقت أو يؤدي إلى ارتفاع مستمر في الأسعار في السنوات اللاحقة ما يقوض الأصول الخطرة.

تستند أسباب ارتفاع التضخم إلى ما بعد عام 2021 إلى عدة عوامل:

أولاً، التحفيز النقدي غير المسبوق الذي تم إقراره العام الماضي أكبر بكثير من التحفيز النقدي الذي تم استخدامه خلال الأزمة المالية لعام 2008. تضخمت الميزانيات العمومية للبنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي في عام 2020 حيث طبعت البنوك المركزية الأموال على نطاق واسع لدعم النمو من خلال التيسير الكمي.

ثانياً، كان التحفيز المالي لدعم الطلب أكبر بكثير في عام 2020 مقارنة بما كان عليه أثناء الأزمة المالية في عام 2008.

ثالثاً، قد يرتفع التضخم أيضاً إلى مستويات أعلى من المتوقع، حيث يسعى بنك الاحتياطي الفيدرالي الآن بنشاط لتجاوز هدف خفض التضخم إلى 2% حتى يبلغ متوسط التضخم 2% على مدى دورة الأعمال.

فقد كان البنك المركزي يفتقد هدف التضخم بنسبة 2% طيلة القسم الأعظم من العقد الماضي. وبالتالي، في أغسطس 2020، قال بنك الاحتياطي الفيدرالي إنه سيتحول إلى استراتيجية تهدف إلى استهداف متوسط التضخم حتى يتسامح مع ارتفاع أسعار المستهلك بشكل مؤقت بما يتجاوز 2% لتعويض الفترات التي ينخفض ​​فيها التضخم بنسبة 2%.

والخطر هنا هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يبدأ في رفع أسعار الفائدة مع ارتفاع معدلات التضخم هذا العام. وبدلاً من ذلك، سيتحمل البنك المركزي التضخم الذي يتجاوز هدفه البالغ 2% على المدى القريب. ولكن إذا ما ارتفعت توقعات التضخم أيضاً، وتوقع الأفراد والشركات ارتفاع أسعار المستهلك بما يتجاوز 2% لعدة سنوات، فإن معدلات التضخم الأعلى التي تتجاوز هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% قد تصبح راسخة. وآنذاك، سوف يضطر البنك المركزي إلى اللحاق بالركب، فيرفع أسعار الفائدة بسرعة لإعادة السيطرة على التضخم.

رابعاً، قد تبدأ أيضاً الضغوط على جانب العرض بعد انحسار الوباء في دفع أسعار المستهلك إلى الارتفاع بمرور الوقت.

وقد تتزايد تكاليف الشركات إذا جعلت القيود على الهجرة، توظيف العمال من الخارج أمراً أكثر صعوبة. وقد تشجع الحكومات أيضاً الشركات المحلية على إعادة سلاسل العرض إلى الوطن لزيادة "المرونة" المحلية للصدمات المستقبلية. وإذا واجهت قطاعات الاقتصاد منافسة أقل بعد انتشار الوباء – لأن بعض الشركات أفلست - فإن الشركات الناجية قد تتمكن من رفع الأسعار دون أن تفقد حصتها في السوق.

وأخيراً، فإن المجتمعات التي تعاني من الشيخوخة السكانية في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة سوف تقلل من أعداد السكان في سن العمل نسبتاً إلى الأطفال والطلاب والمتقاعدين وغيرهم من المعتمدين. لذلك قد تضطر الشركات إلى رفع الأجور لجذب العمال النادرين والاحتفاظ بهم ومن ثم نقل التكاليف إلى العملاء من خلال ارتفاع الأسعار.

على المدى القريب، يجب على المستثمرين الخائفين من ارتفاع التضخم تحوط محافظهم باستخدام الذهب.

ولكن على المدى الطويل، من المرجح أن تظل مخاطر ارتفاع معدلات التضخم في عام 2021 محدودة، وأن لا تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل مستمر في السنوات اللاحقة، وهذا بسبب استقلال البنوك المركزية، البطالة، والعولمة، وكل هذه العوامل من شأنها أن تحد من التضخم في المستقبل.

أصبحت توقعات التضخم في الولايات المتحدة ثابتة بالقرب من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (2%) على مدى العقود الثلاثة الماضية. فقد أسفرت مصداقية البنك المركزي في ضمان تحقيق التضخم لهدفه الذي يبلغ 2% عن استقرار الأسعار في أمريكا إلى حد كبير، حيث لم ترتفع إلا بنسبة حوالي 2% سنوياً، بما يتفق مع هدف التضخم الذي حدده بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

إن المسؤولين في بنك الاحتياطي الفيدرالي يدركون تمام الإدراك أن الفوز بمصداقية البنك المركزي كان بالغ الصعوبة، وذلك بسبب اضطراره إلى ملاحقة أسعار فائدة مرتفعة للغاية وبنسبة أعلى من 10% في ثمانينيات القرن العشرين للحد من معدلات التضخم المرتفعة في سبعينيات القرن العشرين. وبالتالي فإن صناع السياسات النقدية لن يريدون التضخم أن يتجاوز التضخيم كثيراً هدفهم في المستقبل بنسبة 2%. إن بنك الاحتياطي الفيدرالي مستقل حتى يتمكن من رفع أسعار الفائدة بسرعة إذا شعر البنك المركزي أن التضخم قد يصبح غير مقيّد من هدفه الذي يبلغ 2%.

وعلى نحو مماثل، فمنذ تسعينيات القرن العشرين، حصلت أغلب البنوك المركزية الكبرى على الاستقلال لتحقيق أهداف التضخم بنسبة 2% من دون تدخل سياسي. تم تأسس البنك المركزي الأوروبي مع ظهور الاتحاد الأوروبي في عام 1999 بهدف واضح لاستقرار الأسعار وأصبحت بنوك اليابان وإنجلترا مؤسسات نقدية مستقلة في أواخر التسعينيات. وبالتالي فإن كل البنوك المركزية الكبرى من المرجح أن تكون حذرة من السماح بارتفاع التضخم بطريقة مستدامة في المستقبل بما يتجاوز أهداف خفض التضخم بنسبة 2%، فضلاً عن القدرة والاستعداد لتشديد السياسة النقدية.

ومن المرجح أيضاً أن يظل التضخم تحت السيطرة لأن البطالة بعد الوباء سوف تجعل من الصعب على الموظفين السعي إلى الحصول على أجور أعلى. فقد هبط معدل البطالة في أمريكا من 14.7% أثناء الموجة الأولى من الوباء في إبريل إلى 6.7% ولكنها تظل أعلى كثيراً من معدل 3.5% السائد في بداية عام 2020. وعلاوة على ذلك، فحتى عندما كان اقتصاد الولايات المتحدة يسير على مستويات تتسق مع التشغيل الكامل للعمالة في بداية عام 2020، كان تضخم الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي لا يزال أقل من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 2%.

إن سجل البنوك المركزية الرئيسية في عدم تحقيق أهداف التضخم البالغة 2% خلال العقد الماضي - حتى مع انخفاض معدلات البطالة إلى حد كبير – يشير إلى أن ارتفاع أسعار المستهلكين في المستقبل من غير المرجح أن يبدأ في تجاوز 2% بطريقة مستدامة. على وجه الخصوص، إن الاتجاهات طويلة الأجل التي دفعت التضخم إلى الانخفاض على مدى العقود القليلة الماضية - وظائف أتمتة التكنولوجيا وبالتالي انخفاض الأجور، والعولمة التي أدت إلى زيادة التنافسية في مجال التصنيع، ونمو السكان وتقلص الأسواق الاستهلاكية - من غير المرجح أن تتغير بسبب الوباء.

لذلك، نعتقد أن الارتفاع المحتمل في معدلات التضخم في عام 2021 قد يتجاوز مؤقتاً أهداف البنوك المركزية البالغة 2% ولكنه لن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار على نحو مستدام، يتسبب وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى استمرار التضخم في العمل عند مستوى أعلى من 2% لأعوام قادمة. بدلاً من ذلك، نتوقع أن بنك الاحتياطي الفيدرالي، على سبيل المثال، لن يحتاج إلى البدء في رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية من المستويات الحالية من 0.00-0.25% حتى وقت متأخر من عام 2024 أو 2025 حيث يظل التضخم ثابتاً حول 2% خلال السنوات القليلة المقبلة.

 

للمزيد من المعلومات يمكنكم زيارة الموقع الإلكتروني www.bankofsingapore.com/insights

 

هذه المقالة مخصصة للتداول العام ولأغراض المعلومات فقط، ولا تأخذ في الاعتبار الأهداف الاستثمارية المحددة أو الخبرة الاستثمارية أو الوضع المالي أو الاحتياجات الخاصة لأي شخص معين. ويجب عليك تقييم محتويات هذه المقالة بشكل مستقل، والنظر في مدى ملاءمة أي خدمة أو منتج مذكور في هذه المقالة، مع مراعاة أهدافك الاستثمارية المحددة، والخبرة الاستثمارية، والوضع المالي والاحتياجات الخاصة. وإذا كنت تشك في محتويات هذه المقالة، فيجب عليك الحصول على مشورة مالية أو قانونية أو محاسبية أو ضريبية مستقلة أو غيرها من مستشاريك المحترفين، قبل الالتزام بشراء أي منتج استثماري.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"