الواقع أم الحلم؟

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

من الجميل جداً أن يسعى الإنسان لإقامة مشروعه الخاص، ولكن الأجمل أن يضع له الدراسة المضمونة التي يسميها المتخصصون دراسة الجدوى، فيدرس حاجة السوق، وديمومة العمل، وتوفير المواد، وكيفية ترويجها، إلى غير ذلك من علوم التسويق، ولعل الأجمل على الإطلاق أن يبدأ عمله خطوة خطوة، وأن يصعد إلى السلّم درجة درجة، وبخطى ثابتة مدروسة، وإلا سقط في ما لا تحمد عقباه، وتراجع إلى الوراء، وعاش في فشل، وهيهات أن يعود ليقف مرة أخرى.
هذه الرؤية أتناولها اليوم لأنني أعرف الكثير ممن يفكرون في المشاريع ويتطلعون إلى المستقبل الواعد بخطى سريعة ملتهبة، فإذا ما أراد أحدهم أن ينشئ شركة استأجر مكتباً طويلاً عريضاً متوهماً ما سوف تحققه الشركة من أعمال ونجاحات لا نهائية، وورَّط نفسه في شراء السيارات والمكاتب باهظة الثمن، إضافة للتجهيزات والمطبوعات المتعددة، وبرامج وأجهزة الكمبيوتر، وغير ذلك ممّا يلزم مشروعه، مقلداً الشركات الكبرى التي لها باع طويلة في سوق العمل.
والواقع أن عمله يتطلب في البداية موظفاً واحداً، أو اثنين، مع مكتب يناسب حاجتهما، وسيارة مناسبة ليبدأ العمل، ثم يتدرج في تطوير مشروعه شيئاً فشيئاً، فكلما اكتسب خبرة أكبر، وفتح الله عليه باباً جديداً لمزيد من التعاملات في سوق العمل، يشرعُ في التوسُّع أكثر بناء على ذلك.
ولكنه لما بدأ من أوسع أبواب العمل، وتكبَّد كل هذه التكاليف المرتفعة في الوقت الذي كان في غنى عنها، وجد أنه بعد خمس سنوات أو أكثر قد أنفق الكثير من المال والجهد، وأن معظم التجهيزات التي وفّرها صارت عتيقة يلزمها تجديد أو صيانة، كما أصبحت السيارات منتهية الصلاحية وتغيرت الموديلات والبرامج الإلكترونية، فبات من الضروري دفع كلفة جديدة لاستبدال كل تلك التجهيزات، أو صيانتها، ذلك أنه من أراد النجاح لا بد أن ينطلق من نقطة الصفر وصولاً إلى غايته المنشودة، بتأنّ لا عجالة، فهذه سنّة الحياة.
وبالتالي، ليس من الحكمة أن نبني قصوراً على رمال متحركة ونحن لا نزال في أول الطريق، بل أن نحيا بمنأى عن الأوهام، فندرك نواميس الكون التي تخبرنا كل يوم أنه لا يمكن صعود السلم بخطوة واحدة، ولا الوصول إلى الهدف الذي نرنو إليه بقفزة عشوائية، وخير مثل يقال في هذا السياق «حبَّة حبَّة»، فلكي نبني حياتنا لا بد لنا من المرور بمراحل متعاقبة، كل واحدة منها تؤسس للمرحلة التي تليها، وهكذا دواليك لا نتوقف عن النمو والتطور ما دمنا أحياء في كنف هذا الكون الشاسع الذي تحكمه قوانين غاية في الدقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"