عادي

كتب تلهث وراء الربح

22:49 مساء
قراءة 6 دقائق
100
1

المترجم وسيط بين المؤلف والقارئ، وما يجمع بينهم من علاقة هو النص الذي يريد أن يفهمه المتلقي، وفي بعض الأحيان يكون هناك تشويش يحول دون الاتصال الجيد، ومن أهم أسبابه هو الترجمة الرديئة أو السيئة أو الغامضة، خاصة على مستوى النصوص الإبداعية، والملاحظ تلك الأعمال الأدبية، خاصة السرد، التي تحظى بعدد من الترجمات إلى اللغة العربية، بعضها يكون جيداً، والآخر متوسط، وهناك الرديء الذي يسيء للمؤلف والنص والقارئ.

«الخليج»، وضعت سؤال الترجمة الإبداعية، وإلى مدى هناك استسهال من قبل بعض المترجمين في نقل الأدب العالمي إلى اللغة العربية؟.

في المستهل، تناول الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، ما وصفه بطغيان البعد التجاري في عمل بعض المؤسسات ودور النشر في اختيار الكتاب الأدبي الذي من المتوقع أن يحقق مبيعات عالية، وكذلك في اختيار المترجم الذي قد لا يكون مؤهلاً بصورة كبيرة أو غير ملم بثقافة بلد المؤلف، وأشار إلى أن العبء الكبير في عملية الترجمة يقع على المترجم نفسه، فكثير من النصوص التي يتم اختيارها من أجل نقلها إلى اللغة العربية إذا لم يحسن ترجمتها تصبح غير جاذبة، في ما تكون هناك مؤلفات عادية أو متوسطة، لكنها تصبح مدهشة عند عملية النقل، ذلك لأن المترجم كان متفوقاً، وأحسن عمله بصورة مميزة.

وأشار ابن تميم، إلى أن الترجمة تضفي جماليات على النص المراد نقله من لغة إلى أخرى، وبصورة خاصة، المؤلفات الإبداعية، ودعا المؤسسات العاملة في مجال الترجمة إلى أن تركز على الاختيار الدقيق للمؤلفات التي ستشكل إضافة حقيقية للمكتبة العربية، وكذلك في اختيار المترجم المناسب المؤهل والمطلع، فهو بمثابة القناة الأساسية التي تسهم في عملية الربط بين الثقافة واللغة، وكذلك لابد من مُراجع تكون مهمته متابعة جودة عملية النقل وصولاً للترجمة الممتعة، ويقول: «الترجمة الجيدة هي التي تكسب النص جمالاً ورونقاً».

التحدي والاستجابة

وشدد ابن تميم، على أن الترجمة في مجال الإبداع والأدب ليست عملية نقل من لغة إلى أخرى، بل كذلك من ثقافة إلى ثقافة أخرى، فلابد من مراعاة شعور التلقي والصيغ الجمالية إلى جانب اللغوية، وذلك على عكس ترجمة العلوم التطبيقية التي لا تعتمد على المجاز والاستعارة والخيال، بالتالي لا يمكن الإضافة عليها، فالتحدي في ترجمة العلوم يكمن في معرفة «المصطلح»؛ أي في التعامل معه والاختيار الصحيح له، وليس في الاستجابة والتلقي، ويوضح قائلاً: «في مجال الأدب، فإن النص المراد ترجمته لابد أن يستجيب للثقافة التي يُنقل إليها»، بالتالي فإن المترجم الجيد هو ذلك الذي يبذل الجهد في سبيل التعرف على ثقافة البلد الذي يريد أن ينقل منه، ويقول: «تحضرني أسماء النماذج المشرفة من المترجمين العرب القدامى من أمثال حنين بن إسحاق، الذي يروى بأنه أمضى سنوات مرتحلاً في بلاد الأرض باحثاً عن أعمال الفيلسوف والطبيب الإغريقي جالينوس، جامعاً الناقص من أعماله من بلد إلى آخر، حتى تمكن أخيراً من ترجمة أهم أعماله التي لولا ذلك لكان مصيرها الضياع».

وأوضح ضرورة الحاجة إلى الاختيار الدقيق للأعمال الأدبية المراد نقلها إلى العربية، وإلى العمل مجدداً على تقديم الكلاسيكيات الأدبية، ولا بأس في أن تأتي في عدة ترجمات، فتلك مسألة مهمة، لكن الأهم هو الجودة.

إقبال كبير

الدكتور شهاب غانم، أكد صعوبة الترجمة الأدبية، مقارنة بالعلمية والقانونية، حيث إنها تلعب في منطقة اللغة نفسها من حيث المجاز والرموز والتورية، بعكس الترجمة العلمية التي تعتمد على المباشرة، وأوضح أن هناك حركة ترجمة كبيرة، وبصورة خاصة تجاه الرواية والقصة، وذلك نسبة للإقبال الكبير الذي يجده السرد في العالم العربي، غير أن بعض الترجمات تأتي رديئة بالفعل، وذلك لأن معظم المترجمين لا يقبلون على هذه العملية بحب، بل كمهنة من أجل كسب لقمة العيش، وأحياناً نجد أن عدداً من المترجمين يتنافسون في نقل الروايات المشهورة، إلى اللغة العربية، وأشار إلى أن هناك ما يشبه التنافس في هذه العملية، ويقول: «المشكلة تكمن في أن بعض هؤلاء المترجمين يعانون بعض الضعف، لذلك نجد أن أكثر الترجمات فيها استسهال وتسرع».

ولفت غانم، إلى واقع انشغال دور النشر بالربح، وكذلك المترجمون، فبعضهم لا يحيط بالنص، ولا بالمناخ الثقافي والاجتماعي الذي انتجت فيه الرواية في لغتها الأم.

ويعقد غانم مقارنة في واقع الترجمة بين الأمس واليوم، وذكر أن معظم المترجمين في السابق كانوا مبدعين ومثقفين ومحبين للأدب، لذلك رفدوا للمكتبة العربية بأعمال عظيمة ظلت باقية وراسخة في أذهان الناس، مما يشير إلى تمكنهم من أدوات الترجمة وإحاطتهم بالنصوص التي نقلوها للعربية، وأوضح أن جيل اليوم يعاني ضعفاً بيّناً في مسألة اللغة، وقليل جداً منهم من يجيد اللغتين، العربية والأخرى التي يراد النقل منها، كما أنهم لا يهتمون بالدقة والرصانة، بالتالي تظهر الأخطاء الكبيرة في ترجماتهم، وقال: «الجيل الحالي ينتمي إلى ثقافة الساندويتش والسرعة وحب الظهور في هذا العصر الاستهلاكي»، وأضاف أن المترجم الحقيقي لابد أن يراعي مسألة الوقت اللازم المبذول في نقل نص أو كتاب إلى العربية، وعليه عدم التسرع، وقال: «هناك معاناة حقيقية متمثلة في قلة المترجمين المحترفين».

خداع

«ليس استسهالاً فقط، إنما هو نوع من الغش»، هكذا تحدث الدكتور غانم السامرائي، أستاذ الأدب المقارن والترجمة المشارك في جامعة الشارقة، عن واقع نقل الأعمال الأجنبية إلى العربية، وأضاف قائلاً: «إن من يتصدى لمهمة الترجمة من دون أن يمسك بأدواتها، ويريد أن يتكسب منها، إنما هو يغش ذاته ويكذب على الآخرين»، لافتاً إلى أن الترجمة الأدبية ذات صلة مباشرة بالتراث والفكر والثقافة، فالقضية ليست في نقل الجمل والعبارات، بل في ترجمة مفاهيم ومواقف تتصل بالحضارة والحياة والفكر والعادات الاجتماعية، وهذا يتطلب من المترجم أن يكون متمكناً من ثقافة النص الأصلي، وإلا فهو لن يستطيع أن يقوم بعملية النقل الذي يؤثر في القارئ كما كان يفعل المترجمون في الماضي القريب، والذين خلدوا في أذهان القراء العرب، لأنهم نجحوا في ترجمة أعمال تفاعل معها المتلقي في العالم العربي، ولايزال يلجأ إليها في كل حين.

وشدد السامرائي، على أن الترجمة الإبداعية فعل يعتمد على مهارة المترجم ورغبته، بعكس الترجمة القانونية أو العلمية والتي لا تتم إلا بتكليف من جهة أو مؤسسة مهتمة أو دار نشر، فالإبداع في هذا النوع من الترجمات يقترب من درجة الصفر، لذلك يستعين المترجم بالقاموس بصورة أساسية، بعكس ما يحدث في مجال الأدب، حيث يلجأ المترجم إلى ثقافته واطلاعه وأدواته الإبداعية.

وأشار إلى أن بعض التراجم أحياناً تكون أجمل من الأصل، فمعظمنا استمتع بروائع الشعر والسرد الروسي والبريطاني وغيرهما. وهذا دليل على أن الترجمة الأدبية إذا اشتغل عليها المتخصصون تصبح قادرة على الوصول للمتلقي.

تقنيات جديدة

وصف المترجم فراس الشاعر، واقع الترجمة الإبداعية في الوقت الراهن بالمؤلم، وأشار إلى أن ما أنجز من أعمال في مرحلة ما قبل ثمانينات القرن الماضي، كان في غاية الروعة، حيث كانت الترجمات مفهومة وبقدرات بلاغية عالية ورفيعة، وكانت هناك مشاريع كبرى متعلقة بالترجمة.

وذكر أن تطور التقنية وفّر أدوات كثيرة من أجل أن يستعين بها المترجم، بعكس ما كان يجري في الماضي، لكن رغم ذلك فإن الجيل الحالي يرتكب أخطاء فادحة، وينتجون أعمالاً في غاية السوء، مما أفقد القراء الثقة في المترجمين الحاليين، الذين لا يبذلون جهداً؛ بل يعتمدون على الترجمة الألية المسؤولة عن نقل كل ذلك السوء إلى الأسواق.

وانعطف الشاعر، بالحديث إلى مسؤولية دور النشر، موضحاً أنها لا تسعى إلى الجودة، بل إلى الربح، لذلك يلجأون إلى طلاب ومترجمين مبتدئين ليقوموا بهذه المهمة بسرعة وأجر زهيد، موضحاً أن بعض المؤلفات والنصوص تحتاج إلى عام أو عامين من أجل إنجاز ترجمتها، ولكن دور النشر لا تستطيع الانتظار كل ذلك الوقت، فتسعى إلى ترجمة سريعة، بالتالي تنتشر الأعمال السيئة في السوق.

وذكر الشاعر، أن الترجمة الآلية، ومحركات البحث، يجب أن ينظر إليها كعوامل مساعدة، فهي لا تنجز العمل بصورة جيدة، بل تساعد المترجم الذي يجب أن يعطي الترجمة حقها من وقت وإتقان، وأشار إلى إن انتشار الترجمات الرديئة يشير إلى الكسل والاستسهال، وقال: «هناك من المترجمين من أتقن لعبة الترجمة السريعة من أجل أن يجني المال، وصار مطلوباً لدى دور النشر»، وأوضح أن هناك دخلاء على المهنة، وأن المتخصصين فيها صاروا قلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"