عادي
قراءات

سلفادور دالي..الجنون يرتدي ثوب العبقرية

22:00 مساء
قراءة 3 دقائق
«إصرار الذاكرة» لوحة لدالي
4

الشارقة: علاء الدين محمود
يصعب تناول بعض الشخصيات التي تركت آثاراً كبيرة في حيـــاة البــشر المعــرفية والجمالية والثقافية والعلمية، لكونها صعبة المراس، ومعقدة، ومركّبة في تكوينها النفسي، ويتطلب الإحاطة بها بحثاً وتحليلاً وتفكيكاً، لذلك كان تتبع مواقف ومنعطفات من حياة فنانين وفلاسفة وعلماء بحجم كيركجارد، وفتجنشتاين وأينشتاين وفان جوخ، وبيكاسو..إلخ، أمراً في غاية الصعوبة، ومن التجارب اللافتة في هذا المجال، ما قام به الكاتب والطبيب الأمريكي إيرفين يالوم، الذي تناول منعطفات من سيرة ثلاثة من الفلاسفة العظماء، في روايات: «عندما بكى نيتشة»، و«مشكلة سبينوزا»، و«علاج شوبنهاور».

في كتابه «سلفادور دالي»، كان الكاتب والفنان البريطاني كونري مادوكس، يعلم تماماً صعوبة المهمة التي يقدم عليها، فالشخصية التي يتناولها في غاية التعقيد والغموض، وقد كان من أهم فناني القرن العشرين، وهو أحد أعلام المدرسة السوريالية، وتميز بأعماله الفنية التي تصدم المُشاهد بموضوعاتها وتشكيلاتها وغرابتها، وكذلك بشخصيته غير المنضبطة، وتعليقاته الجريئة، وآرائه الحادة المنفلتة، وكتاباته غير المألوفة بالنسبة إلى القراء، والتي تصل حد اللامعقول، وتظهر الاضطراب النفسي لديه، حيث يختلط الفن في حياته بالجنون والعبقرية، لكن دالي يبقى مختلفاً واستثنائياً في فوضاه، في إبداعه، في جنون عظمته، وفي نرجسيته الشديدة.

ولعل المختلف في الكتاب، أنه جاء هذه المرة من قبل كاتب هو في الأصل فنان ينتمي للتيار الفكري والجمالي نفسه الذي كان دالي من أكبر أعلامه، وهو السوريالية، لذلك استطاع كونري مادوكس، أن يلج في عوالم الرجل من خلال مداخل متعددة، ولكنه في بادئ الأمر يقدم احتجاجاً حاداً على الكتابات السابقة التي تناولت دالي من خلال رؤية ضيقة، فهو يقول: «أياً قد تكون محاكمة سلفادور دالي المستقبلية، فلا يمكن إنكار أن له بصمة خاصة به في تاريخ الفن الحديث، فشهرته كانت أمراً مثيراً للجدل بقيت حيّة نسبة لشخصية دالي الغريبة، وكذلك بفضل النقاد والصحافة، التي لعنته بإلحاح لكونه عصابياً ومجنوناً، وهي كلمات ليست نادرة الاستعمال عند الإشارة إليه».

ويرى مادوكس أن اسم دالي صار في الصحافة وعند بعض النقاد الكسالى متطابقاً مع السوريالية، بحيث صار هذا التيار الفني الفلسفي عند الجمهور البسيط هو سلفادور دالي، وربما لم يختلف مادوكس كثيراً مع هذا التطابق، لكنه أراد أن يضع المسألة في موضعها الصحــيــح، فدالي لم يكن وحــده في مجـــال السوريالية، ومع ذلك هو من أكثر الذين حققوا فيها فتوحات كبيرة، وصنعوا لها تماسات في علم النفس والفكر والفلسفة، ويقول مادوكس موضحاً تلك المسألة: «دالي هو أول من استغل بإصرار شديد كشوفات فرويد والتحليل النفساني والجنون، فكان ذلك واحداً من أكثر المساهمات الثورية للسوريالية، وكان حجر الزاوية الذي أعطى عمل دالي شخصيته الفريدة». ويؤكد مادوكس أن دالي أسهم في تعزيز دور المخيلة الخصبة، والتفكير والإبداع اللا محدود، الذي يلامس الجنون.

ويتوقف الكتاب عند محطات كثيرة في حياة دالي، ويرصد تفاصيل مهملة وصغيرة، ولكنها مهمة لتفسير شخصية الرجل وأعماله المجنونة، حيث كانت كل تصرفاته غريبة تجاه كل شيء، والمؤلف يضرب مثالاً بعلاقة دالي بالطعام، والذي كان أحد وساوسه الدائمة، حيث كان يذكره بكثرة، ويوظفه في رسوماته على نحو ما فعل عندما أنجز بورتريه لزوجته «جالا»، بشريحتي لحم ضان على كتفيها، وكان يصر على أن للمطبخ صلة وثيقة بالرسم، بل وصرّح في إحدى المرات بأنه أراد أن يكون طباخاً عندما كان في سن السادسة.

وفي حـالات تبدو نـــادرة، تحدث دالي عن رســوماته، مقــدماً تفــسيراً للوحــاته الغامضة، مشيراً إلى أن لكـل شيء معنى، وهو يقول: «حقيقة كوني أنا نفـسي في لحظة الرسم لا أفهم صوري، ذلك لا يعني أنها بلا معنى، بل على العكس، فمعناها يبلغ في العمق، والتعقيد، والتماسك بحيث يفلت من أكثر التحاليل بساطة»، فهو يرى أنه من أجل وصف صوره باللغة اليومية، لأجل تفسيرها، ولكي يفهمها كل الناس، فمن الضروري إخضاعها لتحليل خاص، ومن المستحسن أن يحدث ذلك بصرامة علمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"