عادي
6 أغسطس 1966 نقطة تحول كبرى في التاريخ العربي

زايد.. رؤية استشرافية وضعت الإمارات في مقدمة الحضارة

23:23 مساء
قراءة 7 دقائق
©´ ®
المغفور له باذن الله الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان - في معرض ابوظبي الدولي الاول للكتاب - يطالع احد الكتب المعروضة

في التاريخ الإنساني، محطات فارقة وشخصيات قيادية استثنائية، تعرف جيداً كيف تدير أحداث التاريخ، وتوجّه سياقاته، محققة تحولاً فارقاً، ونقلة حضارية في زمن قياسي، ويظل المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، علامة فارقة وشخصية متفردة في طبيعتها القيادية.

6 أغسطس عام 1966.. يوم خالد في ذاكرة الشعب الإماراتي ووجدانه، حين تولى الشيخ زايد، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، ليشكل نقطة فارقة في التاريخ العربي الحديث.

قصة لا تنتهي، وتاريخ يتجدد ليلحق ماضيه بحاضره، تاريخ يعود إلى أكثر من نصف قرن، مرّت على تولّي الشيخ زايد، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، الذي يعدّ يوماً مجيداً مخلداً في التاريخ الإماراتي، كونه البداية الحقيقية لمسيرة حافلة بالإنجازات، بداية تحكي لحظات ميلاد الاتحاد، وكيف كان إلهام زايد الخير حكيم العرب، الذي وضع نقطة البداية الحقيقية لانطلاق الأجيال نحو صناعة تاريخ تفتخر به حاضراً ومستقبلاً.

لأكثر من نصف قرن، تحتفي أبوظبي ودولة الإمارات، بالذكرى، ليبدأ عام 1966 مهمة وضع حجر الأساس ومرحلة جديدة من البناء والتحديث، أسست للنهضة الشاملة في مختلف المجالات، التي جعلت منها بالفعل نموذجاً يحتذى في التنمية الشاملة والمستدامة والتحديث العصري الذي يوازن بين الخصوصية المجتمعية والثقافية للمجتمع الإماراتي، والانفتاح على التجارب التنموية العالمية، والاستفادة منها في بناء النهضة الشاملة.

حفل سجل المغفور له الشيخ زايد، صاحب الأيادي البيضاء، بصفحات ثرية ناصعة من المنجزات الوطنية الباهرة التي سطرها التاريخ بأحرف من نور، على مدى نحو 66 عاماً متواصلة من العطاء في العمل الوطني والقومي والإنساني، منذ توليه مهام ممثل الحاكم في مدينة العين عام 1946، إلى توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس/ آب 1966 وحتى انتخابه رئيساً للدولة، بعد إعلان اتحاد دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 1971.

ومثّل بذلك المغفور له الشيخ زايد، نموذجاً للحكمة الإنسانية، ومنبعاً للتسامح والحوار والعقلانية.

المولد والنشأة

وُلد المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في «قصر الحصن» بأبوظبي عام 1918، وكان والده الشيخ سلطان بن زايد، حاكماً للإمارة من 1922 إلى 1926، وكان الشيخ زايد الابن الأصغر بين أربعة أبناء، وسُمّي على اسم جده، الذي يعرفه الناس باسم زايد الأول، الذي حكم الإمارة من 1885 إلى 1909.

حكم مدينة العين​​

في عام 1946 عُيّن الشيخ زايد حاكماً للعين، وممثلاً لأخيه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، في المنطقة الشرقية، وخلال حكمه الذي امتد عشرين عاماً، استطاع الشيخ زايد، أن يحظى بسمعة طيبة، واشتُهر بكونه حاكماً بالفطرة، وضرب خلال حكمه نموذجاً يُحتذى، وتمثّلت مبادئ القيادة عنده، في المحافظة على روابط قوية بينه وبين شعبه، والإشراف بنفسه على تنفيذ الإصلاحات؛ لذلك حرص دائماً على أن يكون مجلسه مفتوحاً للجميع؛ حيث كان يتخذ قراراته بناءً على إجماع آراء القبائل المختلفة، وكان يسافر إلى جميع أنحاء المنطقة، وحتى المناطق النائية منها، لمشاورة الناس، وتفقّد أحوالهم، وسؤالهم عن حاجاتهم، وخلال حكمه لمدينة العين والمنطقة الشرقية، ذاع صيت الشيخ زايد، وحظي بحب الشعب واحترامه كونه واحداً من أفراده، وقائداً يحرص دائماً على الاستماع إلى جميع رعاياه، ويُمثل فضائل الكرم وحسن الضيافة.

حكم أبوظبي

كان لاكتشاف كميات كبيرة من النفط في أواخر العقد الخامس، وبداية العقد السادس من القرن الماضي، أثر كبير في قلب المعادلة الاقتصادية بالكامل في منطقة الخليج، وبدأ منذ ذلك الوقت عصر التطوّر الحقيقي للمنطقة. وعندما بدأ تصدير النفط لأول مرة من أبوظبي عام 1962، بدا واضحاً أن هناك حاجة إلى وجود رؤية جديدة للحكم، تتطرّق إلى التحديات الجديدة، وتُحسن استغلال عوائد النفط؛ الأمر الذي حدا بعائلة آل نهيان إلى اختيار الشيخ زايد حاكماً لإمارة أبوظبي بتاريخ 6 أغسطس 1966، وتمكّن الشيخ زايد من تحقيق إصلاحات واسعة، منها تطوير قطاعات التعليم والرعاية الصحية والإسكان الشعبي وتحديثها، وتطوير المدن بوجه عام.

ومع ذلك لم يكن تحسين مستوى المعيشة وتوزيع عوائد النفط التحديين الوحيدين اللذين واجهتهما الدولة؛ حيث بدا الأمر جلياً في عام 1968، أنه أصبح لزاماً على الإمارات المتصالحة أن تتحول خلال ثلاث سنوات إلى أمة عصرية مستقرة، وأدرك الشيخ زايد ضرورة إنشاء اتحاد قوي لجعل الدولة المستقبلية دولة قوية ومستقرة على الصعيد الدولي. وكان من الضروري حينئذٍ، الاتفاق على وضع دستورٍ ونظامٍ قانوني ونموذج للحكم، في وقت لم تألف فيه الدولة أياً من تلك الأمور، وقاد جهود إنشاء اتحاد بين الإمارات السبع، مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي، الذي وقّع معه اتفاقية عام 1968، وتُوجت جهود القائدين العظيميْن في نهاية الأمر بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971.

قيادة الاتحاد

انتُخب الشيخ زايد في 2 ديسمبر 1971، أول رئيس للدولة، بإجماع حكام الإمارات، الذين يمثلون أعضاء «المجلس الأعلى للاتحاد»، وكان المجلس يُجدد ثقته بالشيخ زايد كل خمس سنوات، ويُعيد انتخابه.

استطاع الشيخ زايد، بمتابعته الدؤوبة لشؤون الدولة الآخذة في النمو، أن يوزّع عائدات الثروة النفطية على القطاعات التي كانت في أشدّ الحاجة إلى التطوير، ويضمن مكانة اجتماعية مستقرة لجميع مواطني الدولة، ولم يقتصر اهتمامه على الاستقرار الاقتصادي للدولة فقط؛ بل إنه شعر بالمسؤولية الشخصية حيال تعليم الجيل الجديد تراثه وثقافته أيضاً، مع المحافظة على ذكريات الماضي وقيمه؛ حتى يتسنّى للدولة أن تتأقلم على نحو أفضل مع التغيّرات السريعة المقبلة، وعلى الصعيد السياسي، لم تساعد بصيرة الشيخ زايد وتواضعه على ضمان وحدة دولة الإمارات فحسب؛ بل ازدادت سمعة الدولة بين دول العالم العربي، بفضل استقرارها، والكرم الذي يجود به حكامها على شعبها، وعلى شعوب الدول الأخرى أيضاً.

حجم التحديات

إن حجم الإنجاز الذي حققه المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في بناء النهضة الحديثة لأبوظبي، يتضح إذا ما علمنا حجم التحديات التي كانت تواجهها آنذاك، ولاسيما فيما يتعلق بضعف اقتصادها ومحدودية تطورها العمراني وقلة مواردها، لكن الشيخ زايد، رحمه الله، استطاع بإرادته الصلبة وعزمه الذي لا يلين، تجاوز هذه التحديات، ووضع الأسس والمرتكزات التي وضعت أبوظبي والإمارات بوجه عام ضمن صفوف الدول المتقدمة، فأسّس نظاماً إدارياً وحكومياً يجعل أبوظبي إمارة منظمة تعتمد أساليب الحكم الحديثة، ويسهم في تحقيق الطفرة التنموية المنشودة، كما عمل على تأسيس المؤسسات الاقتصادية والمالية القادرة على تحقيق رؤاه التنموية الطموحة.

إصلاح التعليم

كان توفير التعليم لجميع مواطني الدولة، إحدى أهم مبادرات الشيخ زايد لتطوير دولة الإمارات، وفي إطار هذه المبادرة بُنيت المدارس والمراكز التعليمية في جميع أنحاء الدولة. كما استُقدم المدرسون من الدول العربية الأخرى لتعليم الأجيال الشابة.

في غضون سنوات قليلة، تمكّنت دولة الإمارات من تلبية جميع متطلبات التعليم التي تحتاج إليها أي دولة حديثة ومعاصرة، وبلغت جهود الشيخ زايد في هذا المجال أوجها، عندما نجح في تأسيس كثير من المؤسسات التعليمية المعتمدة، وأصبحت دولة الإمارات، بفضل هذه الجهود، أحد أهم مراكز التعليم المعتمدة، التي نجحت في جذب الطلاب من الدول الصديقة المجاورة. كما كانت دولة الإمارات إحدى أوائل الدول التي أدخلت مهارات الحاسب الآلي ضمن مناهجها الدراسية.

الصناعة والبنية التحتية

كان الدافع الرئيسي وراء رؤية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، في تطوير القطاع الصناعي بدولة الإمارات، هو إدراكه التام أن النفط مصدر محدود وناضب، وقد تركّز اهتمامه على تطوير قطاع التصنيع، الذي شهد نهضة كبيرة في السبعينات، ووجه إلى إنشاء «الشركة الصناعية العامة»، التي تحوّلت فيما بعد إلى «الشركة القابضة العامة» (ش. م. ع.)؛ حيث عُهد إليها بوضع السياسات والتخطيط لتنويع التنمية الصناعية.

شكّل تطوير البنية التحتية للدولة أيضاً، إحدى أهم أولويات الشيخ زايد، ومنذ بدايات حكمه كان لديه إدراك بأهمية إنشاء الطرق وخطوط الهاتف، وإنشاء إعلام وطني لربط كل إمارة بباقي الإمارات السبع، وسرعان ما ساعدت الطرق الجديدة والمطارات الدولية والموانئ البحرية، دولة الإمارات على أن تؤدي دوراً مهماً في العالم الصناعي الحديث، واحتلال مكانة مرموقة بين أكثر دول العالم الصناعية تقدماً.

حماية البيئة

عُرِف عن الشيخ زايد حبه العميق للطبيعة، وحرصه الشديد على حماية البيئة والحفاظ عليها، ومن ضمن أعماله الخالدة – حاكماً لأبوظبي – تشجيعه ودعمه للزراعة، والتوسّع في نشر الرقعة الخضراء لكبح جماح ظاهرة التصحر.

وسّع الشيخ زايد – بصفته رئيساً للدولة – اهتمامه بالحفاظ على البيئة؛ حيث امتد هذا الاهتمام إلى جميع أنحاء الإمارات، وأنشأ البنية التحتية السياسية لأبحاث البيئة وحمايتها وتطويرها، ولم يقتصر دوره على دعم زراعة المحاصيل فقط، ولكنه أمر بغرس ما يزيد على 140 مليون شجرة في جميع أنحاء الدولة. كما أسس برنامجاً لحماية الحيوانات المحلية مثل الغزال والمها العربي. وتثميناً لدعمه القوي لحماية البيئة، كان الشيخ زايد أول رئيس دولة يفوز بجائزة «الباندا الذهبية» من «الصندوق العالمي للحياة البرية» عام 1995، وبعد عام من رحيله، كرّمه «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» عام 2005 بصفته قائداً رائعاً ومبتكراً، ومنحه جائزة «بطل الأرض».

عبقرية القيادة

إن ما حققته أبوظبي من نجاحات في مختلف المجالات، خلال مرحلة حكم الشيخ زايد، رحمه الله، شكل الركيزة الصلبة لدولة الاتحاد، فيحسب له، رحمه الله، أنه خلال سنوات حكمه لأبوظبي، اتخذ خطوات عملية لربط الإمارات بعضها ببعض، وتعزيز العلاقة بين أبنائها، تمهيداً لتنفيذ مشروعه الوحدوي على أرض الواقع، كما خصص، رحمه الله، جزءاً كبيراً من دخل إمارة أبوظبي من النفط لتطوير الإمارات الأخرى، لأنه كان يؤمن بأهمية تحقيق التنمية المتوازنة للإمارات والحرص على التوزيع العادل للثروة لجميع أبناء الوطن، ومن مقولاته المأثورة التي تعبر عن هذه الرؤية: «إنني أحب أن أوزع هذا الخير الذي رزقنا الله إياه على جميع أبناء الشعب، وإنني أحب أن أوفر لأهل كل منطقة احتياجاتهم من: ماء صالح للشرب، ورعاية صحية، وتعليم لأبنائهم، وإن الثروة ملك للأمة كلها، وليست ملكاً لأي فرد بعينه، والقائد مجرد حارس للأمة وثروتها».

مدرسة زايد

ولهذا ستظل «مدرسة زايد» في الحكم والإدارة مصدر إلهام متجدد وثراء متواصل لمسيرة الوطن، لأنها تقوم على أسس وأركان راسخة أهمها التخطيط العلمي، والثقة بالقدرات الوطنية، البشرية والمادية، والتفاعل المستمر والإيجابي والخلاق بين القيادة والشعب، وجعل المواطن في قمة أولويات القيادة؛ وعلى هدي هذه المدرسة حققت دولة الإمارات اتحادها ونجحت في المحافظة عليه وتعميقه في عقول مواطنيها وقلوبهم، واستطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه من مراتب عليا في مضمار التنمية، وعلى هديها أيضاً، تنطلق دولة الإمارات الآن في ظل قيادة صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بكل ثقة نحو المستقبل لتعزز مكانتها على خريطة الدول المتقدمة، لتحقيق أهداف «مئوية 2071»، التي تسعى إلى الوصول بدولة الإمارات إلى المركز الأول عالمياً في مختلف المجالات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"