عادي
انضمام جوجل ومايكروسوفت وسامسونج وسوني إلى فيسبوك في جمعية «XR»

«ميتافيرس».. أصل الحكاية يعود إلى العام 1992

20:25 مساء
قراءة 5 دقائق
مارك زوكربيرج يتحدث إلى شخصيته الرمزية في «ميتافيرس»

إعداد: هشام مدخنة

غيّرت التكنولوجيا حياتنا تدريجياً دون أن تصدمنا في كثير من الأحيان وفي معظم مراحلها السابقة بواقع جديد مفاجئ. فقد سبق الوصول الفعلي للإنترنت والهاتف الذكي والسحابة إلى العالم حضور مكثف لهذه التقنيات في أفلام الخيال العلمي ومسلسلاته. وكذلك هو الحال الآن؛ إذ إننا أمام شيء كبير قادم في العصر الرقمي يحمل معه إمكانية تغيير الحياة اليومية بأكملها، يطلق عليه «ميتافيرس» Metaverse.

أصل الحكاية

لم يعد «ميتافيرس» مجرد مصطلح خيال علمي بعد الآن؛ بل ثلاثية فائقة تجمع بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز على الإنترنت. هو مصطلح صيغ لأول مرة عام 1992 في رواية الخيال العلمي Snow Crash للكاتب نيل ستيفنسون؛ حيث سافر سائقا توصيل في عالم «ميتافيرس» لإنقاذ نفسيهما من الديستوبيا الرأسمالية. وربما اطلع البعض فعلاً على مفاهيم هذا العالم الجديد من خلال ألعاب الفيديو الشهيرة مثل «روبلوكس» Roblox، و«فورتنايت» Fortnite، و«أنيمال كروسينج»Animal Crossing.

وبينما لا يعرف أحد يقيناً كيف سيبدو عالم «ميتافيرس» الجديد، تم بالفعل تحديد خصائصه الأساسية. فهو يمتد إلى العالمين المادي والافتراضي، ويتركز حول اقتصاد يعمل بكامل طاقته، ويسمح للمستخدمين بالسفر عبر أماكنه المختلفة بسهولة نسبية، مع الحفاظ على المواد العينية والبضائع والصور الرمزية. ويمكن تشبيهه بمدينة ملاهي افتراضية لا حدود لمساحتها وحجم إبداعها، تسمح للمستخدمين بالتنقل داخلها بسلاسة من مكان إلى آخر مع آلاف الأشخاص، وكل ذلك في نفس العالم الرقمي.

وريث الإنترنت الشرعي

حتى لو فشل «ميتافيرس» في الوصول إلى الرؤية الملحمية التي ينتظرها الكثيرون، فقد يغير بشكل أساسي الطريقة التي نتفاعل بها مع العالم الرقمي. ويمكن أن توفر التجربة الافتراضية الجماعية فرصاً جديدة للمبدعين واللاعبين والفنانين بالطريقة نفسها التي استخدمتها الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، ولن تكون التجربة إعادة تشكيل لاقتصاد المبدعين فقط؛ بل ابتكاره من جديد.

وقد يتحول العالم الافتراضي للميتافيرس، بما في ذلك الترفيه والتجارة والذهاب للعمل، إلى صناعة خاصة تبلغ قيمتها «تريليون دولار»، ولن يتم وصفه على أنه امتداد للإنترنت؛ بل «وريث شرعي» تم بناؤه على أساس ال «بلوك تشين» والتطبيقات اللامركزية.

ويتوقع بعض المستثمرين أن يتحول عالم «ميتافيرس» إلى بوابة تدخل منها معظم التجارب الرقمية، ومكوناً رئيسياً لجميع التجارب المادية، ومنصة العمل العظيمة القادمة. ويرون أن «ميتافيرس» هو القوة الدافعة لتأسيس جيل جديد من الشركات الناشئة بوسعها إسقاط قادة الصناعة الحاليين، على غرار ما حدث في ثورة الإنترنت، وصعود المنصات الرقمية قبل سنوات.

زوكربيرج وساعة الصفر

في نهاية يونيو/حزيران الماضي، أخبر مارك زوكربيرج موظفيه في «فيسبوك»، أنهم سيعملون على إحياء مفهوم ال «ميتافيرس» من جديد. وعليه جمعت الشركة فريقاً من مسؤوليها التنفيذيين لقيادة المشروع، بما في ذلك رئيس منتجات «إنستجرام» فيشال شاه، ومخرجين وصانعي ألعاب فيسبوك مثل جايسون روبين وفيفيك شارما وغيرهم.

وفي إحدى مقابلاته السابقة، رسم زوكربيرج طموحاته لما يمكن أن يكون عليه عالم «ميتافيرس» في المستقبل، وناقش فكرة مساحات العمل الافتراضية، والتي أطلق عليها اسم «المكاتب اللانهائية». وجادل بأن العمل الافتراضي في بيئة «ميتافيرس» يسمح بتعدد المهام بشكل أكبر وأكثر تعاونية وإنتاجية، وبأنه يفضل عقد اجتماعاته في الواقع الافتراضي بدلاً من لقاءات «زووم» ذات الحدود الواضحة. بحسب تعبيره.

ومستنداً إلى البحث الذي أجراه راج شيتي، الاقتصادي الأمريكي البارز الذي يدرس تكافؤ الفرص في الولايات المتحدة وتأثيرها طويل المدى، تحدث زوكربيرج عن إمكانية توفير «ميتافيرس» حلولاً لعدم المساواة الاجتماعية، مشيراً إلى أن الموقع الجغرافي للشخص يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفرصه المالية، لكن عالم «ميتافيرس» قلب هذه الفكرة رأساً على عقب؛ حيث أصبح الوصول إلى العمل عن بُعد أكثر سهولة مع تحسن التكنولوجيا الكامنة وراء الواقع الافتراضي والواقع المعزز.

وبناء على ما سبق، خططت «فيسبوك» لقيادة هذا التطور بمجموعتها الاستثمارية وتقنياتها الخاصة التي لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه، وفقاً لرئيسها التنفيذي نفسه، والذي توقع جهوزية تامة لاستقبال «ميتافيرس» وإمكانياته الهائلة بحلول نهاية العقد.

اللحاق بركب «ميتافيرس»

لا يمكن لأي شخص أو شركة واحدة التحكم في عالم «ميتافيرس» القادم، فالمشتبه فيهم المعتادون في عالم التكنولوجيا الفائقة حجزوا مكاناً لهم بالفعل في مركبة الفضاء الرقمي. وانضمت كل من «جوجل»، و«مايكروسوفت»، و«سامسونج»، و«سوني» إلى «فيسبوك» في جمعية «XR»، وهي عبارة عن تحالف تقني يهدف إلى صنع مستقبل «الواقع التجريبي».

وتتفوق الألعاب على تقنيات «ميتافيرس» الأخرى في العديد من الجوانب ويمكن أن تستمر في ريادتها في الفضاء. ولسنوات مضت، اتجهت ألعاب الفيديو إلى مفهوم الاقتصادات داخل اللعبة؛ حيث يمكن للاعبين شراء وبيع السلع التي ليست لها قيمة حقيقية خارج عالم اللعبة نفسها. وأحدث مثال على ذلك هو لعبة «فورتنايت»، والمثال الأقدم المتمثل بالنجاح المستمر لألعاب مثل «Grand Theft Auto»، والتي حققت أرباحاً تزيد على مليار دولار في عام 2020 بفضل مجتمع كبير ونشط عبر الإنترنت. واليوم، تهدف تقنيات «ميتافيرس» إلى ربط هذه الاقتصادات داخل اللعبة تحت مظلة واحدة متماسكة من التجربة الافتراضية.

التشفير ودوره الأهم

في كواليس مسرح «ميتافيرس» سيكون هناك طلب لتقديم هوية رقمية، وخدمات مالية، وتبادل عالي السرعة، وسيتعين تخزين البيانات وتقديمها لملايين إن لم يكن مليارات الأشخاص. ولن يكون ذلك ممكناً بدون تقنيات «العملة المشفرة». لذلك، طورت شركات مثل «ديسينترالاند» Decentraland، و«ساندبوكس» The Sandbox، عوالم افتراضية تدمج العملات المشفرة حتى يتمكن اللاعبون من إنشاء هياكل وأراض افتراضية تحاكي المباني الحقيقية كالملاهي والحدائق واستثمارها. فقسمت «ديسينترالاند»، على سبيل المثال، هذه الأرض إلى عدد محدود من القطع، معروفة باسم «الطرود»، وأتاحت للمستخدمين شراء وبيع تلك الطرود باستخدام رمزها أو عملتها المشفرة «MANA»، المتاحة للشراء في بورصات تداول العملات الرقمية مثل «كوين بايس».

أرض افتراضية

وستلعب الرموز غير القابلة للاستبدال، أو (NFTs)، دوراً أساسياً في عالم «ميتافيرس»، مما يمنح الأشخاص ملكية كاملة لشخصياتهم، والعناصر المتراكمة داخل اللعبة، وحتى الأراضي الافتراضية. وقد بيعت مؤخراً 259 قطعة أرض افتراضية في «ديسينترالاند» وفقاً لهذه الرموز بأكثر من 900 ألف دولار، في أكبر عملية بيع نوعية حتى الآن.

في النهاية، سيكون من الممكن شراء وبيع سلع افتراضية من ألعاب وعوالم مختلفة في أسواق قابلة للتشغيل البيني. ومن المحتمل أن تصبح العملات المشفرة هي الطرح القانوني الوحيد المستخدم في عالم «ميتافيرس». وبحسب آرثر مدريد، الرئيس التنفيذي ومؤسس «ساندبوكس»، ينفق اللاعبون ملايين الدولارات في الأصول الرقمية بشكل مذهل، ومن خلال تحويل هذه الأصول إلى رموز غير قابلة للاستبدال، فإننا نبني اقتصاداً جديداً سيدعم الاقتصاد الرقمي الحالي.

حتى اللحظة، لا يقدر أحد أن يتنبأ بحقيقة الشكل النهائي الذي سيبدو عليه عالم «ميتافيرس»، لكن يمكن القول إن دور العملات المشفرة في نمو هذه التقنية الحديثة بات أمراً شبه مؤكد. ونظراً لتطور تقنيات الواقع الافتراضي، وطريقة تفاعل قادة الصناعة الحاليين مثل «فيسبوك» معها، فإن تطورات تقنية «بلوك تشين» وقطاع العملات المشفرة بالتوازي سيلعبان دوراً مهماً جداً في صياغة مستقبل «ميتافيرس» الحقيقي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"