تعهدات بالجملة في 26- COP

21:08 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *
انتهى مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (26 COP) في جلاسجو، كما كان متوقعاً، بنتائج يعتبرها فريق المناخيين المتشائمين، من الكتلة العالمية الضخمة للاختصاصيين والمهنيين والأكاديميين والشباب، مخيبة للآمال، عطفاً على سقف طموحات التخفيف المعززة التي كانت منتَظرة من قبل الدول الكبرى الأكثر نفثا للانبعاثات مقارنة بما تعهدت به عشية وأثناء انعقاد المؤتمر، فيما يعتبرها الفريق الآخر نتائج جيدة ومعقولة تتناسب وحجم التباينات وتناقضات المصالح الاقتصادية بين مختلف فرق التفاوض المناخي.

في الأيام الثلاثة الأولى التي سبقت انعقاد المؤتمر والثلاثة الأولى لانعقاده، أرسل كبار المصنعين رسالة صدمة إيجابية للعالم، تمثلت في:

1. اعلان أكثر من 100 من قادة العالم في اليوم الثاني للمؤتمر (الاثنين 1 نوفمبر 2021)، تعهدهم بوقف وعكس اتجاه إزالة الغابات وتدهور الأراضي بحلول 2030، وتخصيص دعم مالي قدره 19 مليار دولار من الأموال العامة والخاصة للاستثمار في حماية الغابات واستعادتها. ومن بين الدول الموقعة على الإعلان، دول الغابات الرئيسية: البرازيل وإندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى جانب روسيا وكندا والنرويج وكولومبيا.

2. في اليوم التالي، الثلاثاء 2 نوفمبر 2021، تعهد أكثر من 100 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وكندا، بخفض انبعاثاتها الإجمالية من غاز الميثان بنسبة 30 % بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2020. وهو أحد غازات الاحتباس الحراري الستة، قصير العمر ولكنه أكثرها تأثيراً على ظاهرة الاحتباس الحراري، بما يوازي 84 ضعف تأثير ثاني أكسيد الكربون على مدى 20 عاماً.

ليس هذا فحسب، فقد «أمطر» العديد من الدول، سكرتارية المؤتمر، قبل وأثناء انعقاده، بسيل من التعهدات Pledges (تختلف التعهدات عن الالتزامات Commitments) التي تراوحت بين التعهد بالتخفيف، أي خفض الانبعاثات (تحييد الكربون بتحقيق صفر صافي انبعاثات)، والتمويل. فرفعت الصين بشكل غير رسمي تعهدها بشأن المناخ إلى الأمم المتحدة، والذي لم يتضمن جديداً، كما أعلنت أستراليا وبعض الدول الأخرى المنتجة للوقود الأحفوري عن أهداف صفرية صافية، لكن من دون رفدها بخطط صريحة لخفض إنتاجها سواءً من الفحم أو النفط أو الغاز، فكان أن استُقبلت بتشكك من مراقبي المناخ. مع إن سد الفجوة بين إطلاق الانبعاثات وتدابير تخفيفها كان هدفاً متفقاً عليه في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في أوساكا منتصف عام 2019، بالنص وهو - تعزيز طموحات التخفيف والعمل المناخي. لكن ما حدث هو إطلاق العنان للتعهدات المقتصرة على «الطموحات المناخية المعزَّزة»، وإهدار العمل المناخي. علماً أن منظمي المؤتمر، بالتنسيق مع سكرتارية الأمم المتحدة، أطلقوا أسماء الجبال المحيطة بالجزر البريطانية على العديد من غرف وقاعات المؤتمر، لشحذ همم المشاركين في تسلق طموحات المؤتمر الثلاثة الرئيسية لدبلوماسية المناخ، وهي الطموح، والمال (التمويل)، والقواعد. كما ضاعت أيضاً بين صخب المناقشات، قضية العدالة المناخية التي حشد لها المناخيون الذين حضروا لجلاسكو بالآلاف من جميع أنحاء العالم.

هل هي تعهدات موضوعية؟ خصوصاً منها تلك التي تعهدت بها الدول النامية التي مدت فترة سماحها (مجازاً للتعبير عن الفترة التي تمنحها الدولة النامية المتعهدة لنفسها للاستمرار في إطلاق الانبعاثات)، على اعتبار أنها دخلت «نادي الملوثين العالميين» متأخرة عن الدول المتقدمة التي انطلقت منها الثورات الصناعية (الثورة الصناعية الأولى التي تميزت باستخدام طاقة الماء والبخار لمكننة الإنتاج، والثورة الصناعية الثانية التي تميزت باستخدام الطاقة الكهربائية لتعظيم الطاقات الإنتاجية، والثالثة، باستخدام الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات لأتمتة الإنتاج، فيما تتميز الثورة الصناعية الرابعة الحالية بتقارب وتكامل مجالات التكنولوجيا الناشئة، بما في ذلك تكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية والمواد الجديدة وتقنيات الإنتاج الرقمي المتقدمة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، والذكاء الاصطناعي)؟... أم إنها تعهدات لفظية ينتظر تنفيذها مرور أربعة عقود لحين حلول موعد استحقاقها (البرازيل عدلت مساهمتها الوطنية المحددة وقدمت موعد توصلها إلى صافي صفر انبعاثات من 2060 الى 2050)؟... على اعتبار أن التعهدات التي تطلقها الدول سواء قبل أو أثناء انعقاد مؤتمر الأطراف لا ترتقي إلى مستوى الالتزامات؟ حتى وإن تم تدبيج هذه التعهدات، بصورة عمومية في ميثاق جلاسكو للمناخ.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"