عادي

زايد.. قيم باقية رسّخت التسامح والتعايش

00:35 صباحا
قراءة 6 دقائق

الشارقة: محمود محسن

«الخلق خلق الله، والأرض أرض الله، واللي يجينا حياه الله»، من نفسٍ يفيض بها الودّ ويملؤها الكرم والعطاء، سطر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بمقولته كلمات من ذهب، كانت ميثاق شرف رُسخت بموجبه قيم التسامح التي انتهجها رحمه الله في الدولة.

1

كلمات سهلة التكوين، غنية المعاني، كفيلة ببسط التعايش السلمي على أرض دولة الإمارات بين مواطنيها، وكل من تحط قدماه على أرضها، قاصداً الزيارة أو العيش فيها، فلم تجد التفرقة مكاناً لها بين مواطنٍ أو مقيم، وصارت كلمات القائد المؤسس زايد، رسائل ترحيب حاضنة لكل محبّ للإمارات وللمقبلين للعيش على أراضيها.

الشيخ زايد الراحل بجسده، الحاضر بمبادئه التي غرسها في نفوس المواطنين، وكل مقيم عاصر عهده، الأب الحنون لا على أبناء وطنه، فحسب، بل على شعوب الأرض، ظلت أقواله ومواقفه باقية شاهدة على نهجه وسياسته تجاه الإنسانية، وعلى دربه يسير أبناؤه حكام الإمارات اقتداءً بقيمه التي جعلت الإمارات موطناً للمئات من جنسيات شعوب العالم، آمنين مستقرين على أراضيها ولا تزال تستقطب الكثير والكثير، كونها قبلة الأمان وحاضنة لكل من قصد السلم والسلام.

1
الشيخ زايد خلال لقاء مارغريت تاتشر عام 1981

حرية الأديان

اقتداءً بتعاليم الدين الإسلامي التي نادت بحرية اختيار الأديان وممارسة شعائرها، استقى الشيخ زايد، رحمه الله، مبادئه في إدارة شؤون البلاد بضمان الحرية للجميع، إذ لم تقتصر تلك المبادئ على كفالة حرية الاختيار، بل وصلت إلى بناء دور العبادة لمختلف المذاهب، وأنشئت أول كنيسة كاثوليكية في الإمارات في عام 1965. وتقع كنائس عدة في مجمع واحد في أبوظبي، حيث توجد كاتدرائية القديس يوسف في منطقة المشرف بمجمع الكنائس، وكنيسة للأقباط المصريين، وأخرى للروم الأورثوذكس، وثالثة للإنجيليين، وهناك كنيسة لطوائف أخرى، وكنيسة كاثوليكية على اسم القديس بولس، وإلى جانبها كنيسة للأرمن الأرثوذكس، وأخرى للروم الأرثوذكس بمنطقة المصفح الصناعية. وتمارس الكنائس من مختلف الطوائف شعائرها الدينية بحرية، انطلاقاً من السياسة الحكيمة التي تنتهجها الدولة في احترام الآخر والتسامح، ويزيد عمر كاتدرائية الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذكس على 40 عاماً على أرض الإمارات، وبدأت الصلاة فيها في مايو عام 1974 ومقرها كان على كورنيش أبوظبي.

1

وأمر الشيخ زايد رحمه الله ببناء 3 كنائس، وهي كنيسة القديس جوزيف الكاثوليكية، وكنيسة القديس أندرو الإنجليكانية، وكنيسة القديس جورج للهنود السريان. وفي العام نفسه، كلف الأنبا باسيليوس، القمّص أثناسيوس المحرقي، راعي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالكويت، إقامة صلاة القداس الإلهي بأبوظبي، وتوجه الأب أثناسيوس، بعدها إلى الإمارة لعمل أول قداس للأقباط بمدينة أبوظبي.

البابا شنودة الثالث

في 30 أكتوبر عام 1995، استقبل الشيخ زايد، رحمه الله، البابا شنودة الثالث في أول زياراته لدولة الإمارات ودول الخليج العربي، بدعوة منه، حيث ضم الوفد المرافق للبابا، الأنبا سرابيون الأسقف العام، والأنبا أبراهام، والأب القمص بطرس الأنبا بيشوي، والقس توماس راعي كنيسة دبي.

1
الشيخ زايد مع المستشار الألماني هيلموت شميت 1981

وفي عام 1999، وافق، رحمه الله، على طلب من الكنيسة، بتخصيص قطعة أرض لإقامة مبنى الكاتدرائية القبطية الأرثوذكسية المصرية؛ حيث قدم البابا شنودة رسالة شكر، أكد خلالها تثمينه البالغ لكل علاقات الحب والمودة التي توليها دولة الإمارات للمقيمين على أرضها، ومنهم الأقباط المصريون، لتزخر الدولة بأعدادٍ من مختلف الكنائس في إمارات الدولة كافة، تعبيراً عن الحرية لجميع الأديان والطوائف المقيمة على أراضيها.

وحرص الشيخ زايد، على الاهتمام بالآثار الموجودة للدير المسيحي في جزيرة «صير بني ياس»، منذ اكتشافه عام 1992، خلال عمليات التنقيب عن مواقع أثرية جديدة، وما كان ذلك إلا دليلاً قوياً على تعزيز رحمه الله، قيمة التسامح، وغرس ذلك في نفوس جميع القاطنين على هذه الأرض الطيبة.

ويعدّ الاهتمام بهذا الموقع دليلاً على التزام الدولة بحفظ آثارها وتاريخها، خاصة لتلك المواقع التي تمثل قيم التسامح والتعايش والسلام؛ حيث يعدّ اكتشاف الكنيسة والدير دليلاً على وجود المسيحية في المنطقة، ومع افتتاح الكنيسة للجمهور، صارت الموقع المسيحي الأثري الوحيد المعروف في دولة الإمارات.

1
الشيخ زايد مع المستشار الألماني هيلموت شميت 1981

حفظ السلام

لعل أهم وأبرز ما قدمته الدولة، منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، في حفظ السلام والعمل على استقرار الشعوب كان أحد أسباب تطلع الكثير من الجنسيات للعيش على أرض الإمارات؛ فسجلها الحافل بالمبادرات السلمية، منذ تولّي مؤسسها وباني نهضتها إلى اليوم، كفيل بوضعها ضمن تطلعات وأماني الكثير، حيث نجحت دولة الإمارات منذ تأسيسها في تبنّي سياسة ناجحة وعلاقات مميزة مع دول العالم كافة، ترتكز على السلام والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، من منطلق إدراك القيادة الرشيدة أن لدولة الإمارات موقعاً مسؤولاً على الصُّعُد العربية والإقليمية والدولية.

وسعت الإمارات منذ تولي القائد المؤسس مقاليد الحكم في البلاد، إلى تعزيز دورها لإعلاء قيم المحبة والتسامح ونبذ التعصب، حيث شاركت في عمليات لحفظ السلام في مبادرات دولية عدة، منها في عام 1976 بقوة ضمن قوات الردع العربية في لبنان، في محاولة لدرء مخاطر تفجر الحرب الأهلية وحفظ السلام، إلى جانب دورها المهم، استناداً إلى التزامها ووفائها بالعهد المؤيدة لقضايا الحق والعدالة، شاركت الإمارات ضمن قوات درع الجزيرة، في عملية تحرير الكويت مع دول مجلس التعاون الخليجي عام 1991 ضمن التحالف الدولي، وترجمة لالتزام الدولة بمدّ يد العون لإعادة بناء ما دمرته الصراعات في الصومال واستقراره، أرسلت الإمارات عام 1993 كتيبة من القوات المسلحة إلى الصومال للمشاركة في «عملية إعادة الأمل» ضمن نطاق الأمم المتحدة بناء على قرار مجلس الأمن الدولي.

11

ووقفت في عام 1994 بصورة واضحة إلى جانب البوسنة، بعدما تفجر الصراع بين البوسنيين والصرب، وأعربت للعالم عن قلقها العميق لما يجري للمسلمين في البوسنة، فيما أسهمت الإمارات في كثير من المشروعات الإنسانية بهدف المساعدة على إعادة الإعمار في البوسنة، وأعطت الأولوية لمساعدة الطلاب وفتح المدارس وإعادة بناء المساجد. كما أقامت القوات المسلحة الإماراتية عام 1999 معسكراً لإيواء آلاف اللاجئين الكوسوفيين الذين شردتهم الحروب في مخيم «كوكس» بألبانيا. كما شاركت في عمليات حفظ السلام في كوسوفو.

وفي عام 1999 كانت الإمارات، الدولة المسلمة الوحيدة التي أرسلت قوات لتنضم إلى القوات الدولية لحفظ السلام في كوسوفو، بموافقة قيادة حلف شمال الأطلسي.

وفي عام 2003 شاركت الإمارات ضمن قوات حفظ السلام في أفغانستان «إيساف»، وبلغ عدد أفراد القوات المسلحة الإماراتية المشاركة في القوة 1200 عنصر، حيث أدّت هذه القوات دوراً حيوياً في إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الأفغاني، فضلاً عن قيامها بدور موازٍ في خطط إعادة الإعمار والحفاظ على الأمن والاستقرار هناك.

1

الشمل العربي

رأى الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، أهمية قصوى وضرورية في توطيد العلاقات بين دولة الإمارات ومختلف الدول العربية والإسلامي والعالمية، لما لها من أبعاد جنت ثمارها الدولة اليوم، بتربّعها على عروش الدول المستقطبة والحاضنة لمختلف الأعراق والأديان، وكانت تلك العلاقات قائمة على التسامح وإرساء مبادئ السلام ليعمّ بقاع الأرض.

وتتمثل تلك العلاقات عربياً في 1967 بزيارة الشيخ زايد التاريخية إلى المملكة العربية السعودية، التقى خلالها الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز، والمسؤولين السعوديين، وأسست الزيارة لعلاقات أخوية استراتيجية، شكلت منذ ذلك الحين وإلى الآن عامل استقرار وصمام أمان، في وجه التحديات التي تواجهها منطقة الخليج والعالم العربي.

وتظهر اللقاءات المتكررة للشيخ زايد، مع القادة والمسؤولين السعوديين، حرصه على بناء أفضل العلاقات مع المملكة، التي كان يعدّها العمق الاستراتيجي للإمارات، ويؤمن بأن أمنها واستقرارها من أمن دول المجلس والعالم العربي بأسره، واستقرارهما.

لم تقتصر جهود زايد، رحمه الله، في العودية، فحسب، بل طالت لقاءاته الدول العربية، في خطوة من شأنها لمّ شمل الأشقاء، وتوحيد الصف والمواقف؛ ففي 1971، بدأ، جولة عربية، شملت مصر والمغرب، بدعوتين من الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الراحل محمد أنور السادات، وأدلى الشيخ زايد خلال الجولة بتصريح لوكالة «أنباء الشرق الأوسط» حيّا فيه الجيوش العربية المرابطة على خط النار، مؤكداً أن المصير واحد.

سياسة خارجية

في شأن العلاقات الدولية، أسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، نهجاً متفرداً في العلاقات والسياسة الخارجية مع دول العالم جعل للإمارات مكانة عالمية متميزة، ومكّنها من أداء دور بارز في معالجة مختلف قضايا الأمن والسلم الدوليين، حيث حرص على تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع جميع الدول.

وتأكيداً لذلك برز اجتماعه في 22 إبريل 1981، إلى مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا، وشدد خلال المباحثات، على أن أمن الخليج مسؤولية أبنائه وحدهم، وهو مرتبط بأمن واستقرار العالم العربي وحل قضاياهم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

1

وشكلت الإمارات في عهد الشيخ زايد محطة بارزة لجميع قادة دول العالم، نظراً لأهمية دورها على الساحة الإقليمية والعالمية. وفي 1981 عقد الشيخ زايد في أبوظبي، جلسة مباحثات موسعة مع المستشار الألماني هيلموت شميت، تناولت تعزيز العلاقات، والوضع في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.

فيما مثلت زيارة الشيخ زايد، إلى الهند عام 1992، منعطفاً مهمّاً في مسار العلاقات بين البلدين، حيث شهدت توقيع اتفاقيات في المجالات الاقتصادية والثقافية. وفي 1974 بعث الشيخ زايد برقية تعزية بوفاة الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو، معرباً عن تأثره العميق بفقدان الزعيم الفرنسي المعروف بمواقفه المؤيدة للعرب. كما بعث في مطلع إبريل 1981 برقية إلى الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، معرباً عن تأثره الشديد بحادث الاعتداء على حياته، وهنأه بنجاته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"