الغربلة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

مثل كل التقنيات الحديثة نحتاج إلى «تحديث» كل مدة، نحن الكائنات البشرية لا نتقدم في الحياة سوى في الشكل والعمر إذا لم نحدّث بيانات عقولنا ومعرفتنا وثقافتنا. يقول البعض إن العودة إلى الوراء مستحيلة مادام العمر يتقدم بنا نحو الأمام، لكن الواقع يؤكد أن العقل يمكنه الوقوف عند منطقة معينة، أو بالأحرى زمن معين، ولا يتقدم في المعلومات التي يخزنها ولا بطريقة استخدامه لأية معلومة أو ظاهرة جديدة يصادفها، إذا لم يسعَ المرء إلى تثقيف ذاته، ليكون بالتالي غير قابل للتطور والصعود درجة حاملاً معه مخزونه القديم فيشكل طبقة غنية من الأفكار تضاف إليها الخبرة، تتحول إلى كنز من الوعي والحكمة. هذا العقل الذي حكم عليه صاحبه بالانغلاق والاكتفاء بما عرفه وتلقاه خلال فترة محددة من الزمن، يصبح كالحجر الصلب، لا يلين ولا يمكنك الولوج إلى أعماقه. 
كلنا نحتاج إلى تجديد وتطوير معلوماتنا وأفكارنا، ولكن التطوير هذا يحتاج إلى «حسن استقبال» للمعلومة وتمعّن فيها كي نستطيع غربلة الغث من السمين، فكم المعلومات التي تنهال علينا كل يوم من مختلف الوسائل الإعلامية والإلكترونية ومن المنصات والصفحات والجيوش الإلكترونية التي باتت أخطر على البشرية من الجيوش البشرية، تفرض على كل إنسان التمسك بكل ذرة ذكاء ووعي وإدراك لديه، كما تفرض عليه البحث والتدقيق وفهم الأبعاد قبل تصديق أي خبر أو معلومة مهما كانت صغيرة أو كبيرة أو تبدو في ظاهرها تافهة. 
لم يعد للتلقائية والسذاجة مكان، فالعصر الحالي يجبرك على التشكيك في كل معلومة تمر أمامك حتى تتأكد من صحتها، ويجبرك على التدقيق والتحقيق والبحث. لم تعد مجرد متلقٍ، بل شريك في نقل المعلومة والترويج لأفكار كثيرة، لذلك عليك التفكير قبل أن يتم استغلالك لتمرير رسائل مشبوهة، وعليك أن تتريث قبل أن تتحمس لفكرة يرمونها كبالون اختبار على «اوسائل التواصل»، وتعيد حساباتك وتقرأ ما وراء الخبر والمعلومة حتى لا تكون البوق الذي يردد صدى أصواتهم بلا وعي ولا فهم. 
انظر إلى هاتفك المحمول كيف يطلب منك كل مدة أن تسمح له بتجديد بياناته وإدخال تحديثات حتى ولو طفيفة على التطبيقات والبيانات والشكل الخارجي للصفحات. حتى ولو خفت من هذا الشكل الجديد ومن فشلك في التعامل معه، ستضطر للموافقة وإلا تشنج الهاتف وقام بمحو كل معلوماتك من ذاكرته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"