ما يتبقى من غورباتشوف

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

رحل ميخائيل غورباتشوف في 30 من أغسطس/آب من هذه السنة، فأعاد العالم ثلاثة عقود إلى الوراء، وتذكرنا برحيله أياماً كان فيها يملأ الدنيا ويشغل الناس.

كان ذلك في السنوات القليلة السابقة على عام 1991، وكان هو في تلك السنوات رئيساً يستقر على قمة الاتحاد السوفييتي السابق، الذي جمع 15 جمهورية تحت مظلته في مرحلة ما بعد قيام ثورة 1917.

ولكن.. ما كاد الخامس والعشرون من ديسمبر 1991 يأتي، حتى كان هو اليوم الذي نزلت فيه الستارة على الاتحاد كله، وعادت الجمهوريات الخمس عشرة تتناثر على كامل مساحته، كما كانت مجتمعة عليها في أيام وجوده وبأسه، وورثت روسيا الجزء الأكبر من المساحة، ومن حول روسيا رجعت كل الجمهوريات، جمهوريات مستقلة ذات سيادة، وصارت رأسها برأس روسيا التي كانت ولا تزال الوريث الأكبر.

ومع رحيل الرجل تجدد التقييم لما فعله عندما ترك جمهوريات الاتحاد تختار ما تريده، وعندما اختارت كل جمهورية منها أن تكون حرة، وألا تعود تتقيد بما كان يربطها بالاتحاد السوفييتي أيام المجد السياسي الكبير الذي تمتع به السوفييت في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.

فلا يزال هناك من يرى أن غورباتشوف أخطأ حين ترك كل جمهورية تذهب إلى حيث تحب، وحين لم يجبر الجمهوريات جميعاً على البقاء في عصمة الاتحاد.. فهذا ما كان سابقوه من الرؤساء السوفييت قد فعلوه صراحة وبعنف، ليس فقط مع جمهوريات الاتحاد، ولكن مع دول أوروبية شرقية كانت تنتمي إلى حلف وارسو الذي كان السوفييت يقودونه، في مواجهة حلف شمال الأطلسي الذي كان الأمريكيون يتزعمونه ولا يزالون.

ولكن الرجل كان له رأي آخر في ما يبدو، وكان تقديره أن ما جرى كان لا بد أن يجري، وأنه لم يكن في إمكانه أن يجعل الأمور تمضي على غير ما مضت عليه.

والذين ينتقدونه من الروس أو من غير الروس لا يستطيعون أن يقطعوا بأنهم كانوا سيتصرفون على غير ما تصرف لو كانوا في مكانه. ففي العامية المصرية مثل شعبي يقول: «اللي على الشط عوام»، ومعناه أن أي شخص يقف على الشاطئ وينتقد شخصاً آخر يقاوم الأمواج في عمق البحر هو شخص عوام، ليس طبعاً لأنه يجيد العوم، وإنما لأنه فقط موجود في مكانه على الشاطئ، ولكنه لو غادر هذا المكان إلى قلب البحر، فسيكون هناك كلام مختلف، وسنعرف وقتها ما إذا كان عواماً بالفعل أم إنه عوام باللسان!

ولا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن سقوط الاتحاد كان الخطأ الاستراتيجي الأكبر في القرن العشرين دون منافس، وقد كرر هذا المعنى طويلاً وكثيراً، ولم يكن يذكر اسم غورباتشوف في كل مرة، ولكن المعنى مفهوم بالطبع، كما أن الإشارة واضحة إلى أن الذي ارتكب هذا الخطأ الأكبر هو فلان بالذات.

ولكن ما سيبقى من غورباتشوف أنه اخترع مصطلحين سياسيين لم يكن لهما وجود من قبله، وكان رحيله مناسبة لأن نتذكرهما ونتأملهما من جديد.

كان المصطلح الأول هو: الجلاسنوست، وكان ولا يزال يعني المصارحة التي لا بد منها على مستوى الحكومات والدول، وكان الثاني هو: البيروسترويكا، ويعني إعادة البناء. وقد ارتبط المصطلحان ببعضهما بعضاً، وكان الأول يؤدي دائماً إلى الثاني حين تراجع الدول مسيرتها، ثم حين تذهب إلى نوع من إعادة البناء يتجنّب الصدمات والمفاجآت التي تلقاها العالم يوم سقط الاتحاد السوفييتي، ويوم بدا الاتحاد وكأنه بيت من رمال!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4w3pxkzv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"