عادي

كيف يفكر الحاصلون على «نوبل» للاقتصاد؟

16:29 مساء
قراءة 7 دقائق

دبي: «الخليج»
منحت الأكاديمية الملكية السويدية، في 10 أكتوبر الجاري، جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2022، لثلاثة خبراء اقتصاديين مقيمين في الولايات المتحدة، عن أبحاثهم حول البنوك والأزمات المالية، وهم: بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق، والاقتصاديان دوجلاس دايموند الأستاذ المشارك في المالية بكلية الأعمال في جامعة شيكاغو، وفيليب ديبفيج أستاذ العلوم المالية والمصرفية في كلية أولين للأعمال بجامعة واشنطن في سانت لويس؛ حيث تم تكريمهم لإسهامهم المؤثر في دراسة العلاقة بين البنوك والاضطرابات الاقتصادية والأزمات المالية، من خلال مجموعة من الأبحاث الممتدة إلى عقد الثمانينيات من القرن الماضي، أثبتت مخرجاتها ونتائجها الرئيسية مدى أهميتها بالنسبة إلى صانعي السياسات خلال الانهيار المالي في عام 2008. ومن المقرر تسليم الجوائز للفائزين الثلاثة في الحفل السنوي في ستوكهولم في 10 ديسمبر المقبل.

 

  • سمات مشتركة

ووفقا لورقة بحثية أعدها مركز "إنترريجونال" للتحليلات الاستراتيجية، ومقره أبوظبي، ثمة نقاط مشتركة تجمع بحوث الاقتصاديين الثلاثة، من الممكن استعراضها فيما يأتي:
1- سيطرة الولايات المتحدة على فئة الفائزين بجائزة نوبل للاقتصاد: حيث يقيم الاقتصاديون الثلاثة الفائزون بالجائزة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فغالباً ما يكون الفائزون بتلك الجائزة أمريكيين أو خبراء أجانب مقيمين في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يمكن إرجاعه إلى كون الولايات المتحدة تضم أكبر المصارف المالية، بل تكاد تكون مسيطرة على القطاع المصرفي العالمي، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. كما توجد بها المنظمات المالية العالمية، كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وهو الأمر الذي ساهم في رفع مستوى معارف الاقتصاديين بها، ممن لديهم صلات واسعة بتلك المؤسسات أو على قرب منها.
2- طرح أبحاث اقتصادية يعزز بعضها بعضاً: ساعد كل من «برنانكي» و«دوجلاس دايموند» و«فيليب ديبفيج»، من خلال أبحاثهم وأعمالهم، على إعادة تشكيل رؤية العالم للعلاقة بين البنوك والأزمات المالية، وقد وصفت لجنة نوبل في بيانها عن الجائزة، أن نتائج أبحاث الاقتصاديين الثلاثة «يعزز بعضها بعضاً»؛ حيث يقدمون معاً رؤى مهمة حول الدور المفيد الذي تلعبه البنوك في الاقتصاد، والكيفية التي يمكن أن تؤدي بها نقاط الضعف لدى البنوك، إلى أزمات مالية مدمرة على مستوى الاقتصاد الكلي للدولة.
3- تحسين فهم أدوار البنوك في الاقتصاد: أشارت لجنة نوبل النرويجية إلى أن الفائزين الاقتصاديين لهذا العام، قد حسنوا بدرجة كبيرة فهم أدوار البنوك في الاقتصاد، خاصة خلال الأزمات المالية، كما أشارت اللجنة إلى أن بحث الفائزين عزز الفهم العام للبنوك واللوائح المصرفية والأزمات المالية، وطرق إدارتها، إضافة إلى تحسين قدرة البنوك على تجنب الأزمات الخطيرة وعمليات الإنقاذ الباهظة في الأنظمة المصرفية، على حد قول رئيس لجنة جائزة العلوم الاقتصادية توري إلينجسن؛ لذا اكتسبت النتائج التي توصل إليها الباحثون أهمية عملية كبيرة في تنظيم الأسواق المالية والتعامل مع الأزمات المالية.
وفي هذا الصدد، أثبتت نتائج بحوث الاقتصاديين الثلاثة مراراً وتكراراً، مدى صلتها بسياسات العالم الاقتصادية في الوقت الراهن؛ حيث استفاد محافظو البنوك المركزية من هذه البحوث في عام 2008 أثناء الأزمة المالية العالمية، وكذلك في عام 2020 عندما توقفت الأسواق في بداية الوباء عن العمل، وسادت حالة من الركود والانكماش في الاقتصاد العالمي. وها قد عادت تلك البحوث مرة أخرى، لتكتسب صلة وثيقة بما يجري في العالم حالياً، خاصة عندما رفعت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسعار الفائدة بوتيرة سريعة لمكافحة موجة التضخم التي تسببت في ارتعاش الأسواق. ومن المتوقع أن يشهد العالم موجة أخرى من رفع أسعار الفائدة في القريب، في إطار المستجدات الاقتصادية الجديدة، التي كان آخرها قرار أوبك بلس خفض إنتاج النفط، وما استتبع ذلك من ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً؛ ما يكسب تلك البحوث أهمية عملية ومستقبلية.
4- إمكانية تطبيق الأبحاث على أجزاء مختلفة من النظام المالي: أشار «دايموند» في حديث صحفي له بعد الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل، إلى أن نقاط الضعف التي حددها هو وديبفيج، لا تقتصر على عمل البنوك فحسب، بل يمكن أن تظهر في أجزاء أخرى من النظام المالي، كشركات التأمين أو الصناديق المشتركة. ومن هنا تظهر مقدار أهمية هذه البحوث بالنسبة إلى القطاع المالي بأسره، لا عمل البنوك فقط؛ إذ إن مكمن الأزمة يتلخص في حالة الخوف وعدم الثقة التي تنتاب الناس في أوقات الأزمات؛ ما يدفعهم إلى الهروب، وهو ما يمكن أن يحدث في أي جزء آخر من القطاع المالي.
5- الاهتمام بضمان عدم التحول إلى ركود: بحسب الأكاديمية السويدية، فإن أفكار الفائزين بالجائزة، كان لها دور بارز في ضمان عدم تحول الأزمات الأخيرة التي يشهدها العالم إلى موجات ركود جديدة، ربما يكون لها عواقب وخيمة على المجتمع؛ حيث وضعت أبحاثهم الأساس لأنظمة مصرفية حديثة تستهدف إرساء نظام مالي مستقر، وكيف من الممكن تجنب فشل النظام المصرفي، وما الذي من الممكن أن تنتهجه الدول لاحتواء أزمة مصرفية وشيكة.

  • أفكار رئيسية

تدور أبحاث الحاصلين على جائزة نوبل في الاقتصاد للعام 2022، حول عدد من الأفكار الرئيسية، نتناولها فيما يأتي:
1- تجنب حدوث انهيارات مالية في البنوك: سعى «بن برنانكي» رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد حديثًا، بجانب زملائه في الاحتياطي الفيدرالي إلى منع حدوث انهيار مالي، على خلفية الأزمة الاقتصادية التي سادت خلال عام 2008، عندما بدأ سوق الإسكان في الانهيار، مع تخلف المقترضين في الرهون العقارية عن السداد؛ ما هدد بانهيار الاقتصاد بأكمله، في موقف أبرز مدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه إخفاقات البنوك بالاقتصاد الكلي للدولة. واستجابة لذلك، عمل «برنانكي» على وضع برامج طوارئ لمنع الأسواق من الانهيار، واستخدم صلاحيات بنك الاحتياطي الفيدرالي لتمكين عمليات إنقاذ محافظ البنوك وشركات التأمين.
2- تحليل العلاقة بين الإيداع القصير الأجل والإقراض الطويل الأجل: ابتكر الباحثون الثلاثة، دايموند وديبفيج وبرنانكي، نموذجاً أساسياً يشرح ديناميكيات عمليات البنوك والانهيارات المالية؛ ففي عام 1983، كتب كل من دايموند وديفينج، عن العلاقة بين الإيداع القصير الأجل والإقراض الطويل الأجل.
وقد أوضح البيان الصادر عن الأكاديمية السويسرية، أن تلك النظرية بينت كيف للبنوك أن تقدم نظاماً مالياً مثالياً، عند العمل كوسطاء بين المدخرين والمقترضين؛ وذلك عندما تسمح البنوك للمودعين بالوصول إلى أموالهم عندما يرغبون، مع تقديم قروض طويلة الأجل إلى المقترضين؛ حيث رأى الاقتصاديان ديبفيج ودايموند، أنه عندما تأخذ البنوك ودائع قصيرة الأجل، وتقرض هذه السيولة على المدى الطويل، فإن تلك هي الطريقة الأكثر فاعليةً لعمل القطاع المالي.
3- الربط بين درجة الثقة باستقرار النظام وبين الأزمات المالية: درس دايموند العلاقة الارتباطية بين ثقة المقترض وإخفاق البنوك في إدارة أزماتها، وفي إطار ذلك أشار إلى أن الناس يفقدون الثقة باستقرار النظام عندما يجدون مؤشرات على فشله، وهذا كله مرتبط بشكل أساسي بمدى ربحية القطاع المصرفي في اعتقادهم، بالإضافة إلى كونه مستقراً.
في ذلك السياق، يفترض دايموند في مقال له، أن البنوك بإمكانها مراقبة المقترضين مقابل مصروفات معينة، للتأكد من مدى قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم، من خلال تقييم الجدارة الائتمانية للمقترضين والتأكد من استخدام القروض في استثمارات جيدة، لتجنب الإفلاس المحتمل، غير أن البنوك تفقد القدرة على مراقبة المقترضين، عندما يفقدون ثقتهم بالنظام المالي. لذلك من شأن الفترات التي يجري فيها أحداث غير متوقعة، كارتفاع أسعار الفائدة الاسمية في جميع أنحاء العالم، أن تثير بعض المخاوف لدى الناس – وبالأخص المقترضون – بشأن النظام المالي.
واستكمالاً لتلك الفكرة، قدم دايموند نصيحة للبنوك، وهي ضرورة التأكد من الإبقاء على القطاع المصرفي مستقراً، والاستجابة بطريقة مدروسة وشفافة للتغيرات في السياسة النقدية.
4- إخفاقات البنوك يمكن أن تخلق الأزمات المالية: كتب برنانكي في عام 1983، ورقة بحثية شرح فيها كيف يمكن لإخفاقات البنوك أن تؤدي إلى أزمة مالية بدلاً من أن تكون مجرد نتيجة للأزمة. في إطار ذلك، حلل برنانكي الكساد الكبير في الثلاثينيات الذي مثل أسوأ أزمة اقتصادية في التاريخ الحديث، وأوضح كيف من الممكن أن تكون البنوك عاملاً حاسماً وسبباً رئيسياً في تعميق الأزمة وإطالة أمدها؛ فعند انهيار البنوك في ذلك الوقت، تضاءلت بشدة قدرة المجتمع على توجيه المدخرات إلى استثمارات منتجة؛ ما أجج الأزمة وحوَّلها إلى أزمة مالية عالمية.
كذلك قد تكون البنوك سبباً في انهيارات مالية، عندما تخلق سيولة في الاقتصاد في أوقات الأزمات؛ إذ حينها تُخضع هذه السيولة لعمليات سحب مفاجئة من قبل العملاء، خاصة عندما لا يكون هناك تأمين على الودائع أو أي حماية أخرى. ولعل هذه الورقة من أكثر الأوراق التي يستشهد بها على نطاق واسع في عالم الاقتصاد والمالية، بحسب بيان صادر عن جامعة واشنطن في سانت لويس.
5- التركيز على دور الحكومة في حماية الجهاز المصرفي: أظهرت أبحاث الاقتصاديين الثلاثة، دور الحكومة خلال الأزمات والانهيارات المالية الذي يمكن أن يظهر من خلال قيامها بتأمين الودائع بالبنوك؛ ما يسهم في حماية الجهاز المصرفي من مخاطر الانهيار، إذا عمد المودعون إلى سحب ودائعهم في وقت واحد.
وفي هذا السياق، ركزت كتابات الاقتصاديين الثلاثة على دراسة كيفية تعامل الاقتصاد في الصراع بين المودعين والمقترضين؛ حيث ينشب صراع بين المودعين والمقترضين في أوقات الأزمات والانهيارات المالية، مفاده أن المدخرين غالباً ما يرغبون في الوصول الفوري إلى أموالهم، بينما يحتاج أصحاب الأعمال والشركات إلى التأكد من كونهم لن يضطروا إلى سداد قروضهم قبل الأوان. وفي تلك الحالة، يحتاج الاقتصاد إلى توجيه المدخرات إلى الاستثمارات؛ وذلك بالسماح للمودعين بالوصول إلى أموالهم عندما يرغبون، مع تقديم قروض طويلة الأجل للمقترضين.
6- الاهتمام بدراسة دور الشائعات في التعرض لانهيارات مالية: فقد أظهرت نتائج تحليلاتهم، كيف للجمع بين نشاطات الإقراض والإيداع، أن يجعل البنوك عرضة للشائعات حول انهيارها الوشيك. وإذا هرع عدد كبير من المدخرين في وقت واحد إلى البنوك لسحب أموالهم، فقد تصبح الشائعات حقيقة واقعة؛ فمع التهافت لسحب الأموال، تتعرض البنوك لانهيارات مالية، وهو تطور خطير يمكن إيقاف تداعياته السلبية من خلال عمل الحكومة كمقرض للبنوك بما يوفر ملاذاً أخيراً لها يحميها من مخاطر الانهيار الوشيك.
إجمالاً، تنبع أهمية أبحاث الاقتصاديين الثلاثة الحاصلين على جائزة نوبل للاقتصاد حديثا، من مدى ارتباط تلك الأبحاث الممتدة من عقد الثمانينيات، بوقتنا الحاضر، وإمكانية تطبيق نتائج هذه البحوث على الواقع والأزمات المعاصرة؛ فبحسب دايموند، فإن العالم اليوم لديه استعداد لأي اضطراب مالي، أكثر مما كان عليه خلال الأزمة المالية في عام 2008، كما أن التحسينات التنظيمية التي طرأت على عمل النظام المصرفي على مدار السنوات الماضية، وصولاً إلى اليوم، جعلت النظام المصرفي أقل عرضة للانهيار في ظل وجود إدارة جيدة للمخاطر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/htpyrjhf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"