عادي

الأدب في قبضة الإيديولوجيا

20:32 مساء
قراءة دقيقتين
آرثر كيسلر

القاهرة: الخليج

في أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي، وكانت تتزعمه أمريكا، والاشتراكي، ويقوده الاتحاد السوفييتي السابق، ظهر كتاب يضمّ مقالات لكبار الكتاب والأدباء في أوروبا، عام 1950، وكان بينهم أندريه جيد، والكتاب يمثل اتهامات واضحة للاتحاد السوفييتي.

برز بين هذه الأسماء «آرثر كيسلر» صاحب الرواية، التي ضربت بسهم وافر في هذه المعركة، وعنوانها «ظلام في الظهيرة»، وقد صدرت في عام 1940 وتناول فيها «كيسلر» تحولاته الفكرية، وازدراءه للحكم الشمولي.

«ظلام في الظهيرة» رواية ترجمها إلى العربية الدكتور رمسيس عوض، وهي تعرض للنفعية السياسية، ونقد الديكتاتورية، وفيها يُجبَر حارس على الاعتراف بجرائم لم يقترفها، وقد انتقلت الرواية للمسرح عام 1951 وحققت نجاحاً لافتاً، واعتبرها نقاد أهم عمل سياسي في القرن العشرين.

اشتهرت الرواية في البداية بعنوانها الفرنسي «الصفر واللانهاية» وقد كتبها «كيسلر» بعد تخليه عن ماضيه كعضو في الحزب الشيوعي المجري، الذي انتمى إليه في العام 1931 وظل فيه لثماني سنوات، انتهت بتركه إياه، وبدء معركته ضد الشيوعية، بعد زيارة ميدانية لروسيا في عامي 1932 و1933.

أحدثت الرواية ضجة كبيرة فور صدورها؛ لأنها ألقت الضوء على محاكمات التطهير، التي وقعت في الاتحاد السوفييتي، كما أثارت تساؤلات حول اعتراف منشقين سياسيين بجرائم لم يرتكبوها، ووصف للحالة النفسية التي جعلتهم يفضلون السجن والأحكام المتنوعة، انتهاء بالموت، على المقاومة أو المعارضة، فيما نبذ آخرون حالة المقاومة، واعترفوا بأخطائهم.

في مفارقة ذات دلالة كبيرة احتلت الرواية، التي صدرت في طبعتها الأولى باللغة الألمانية، المرتبة الثامنة ضمن قائمة أعظم ١٠٠ رواية كتبت باللغة الإنجليزية، وذلك في عام ١٩٩٨، أي بعد ما يزيد على ٥٠ عاماً على صدورها، ويأتي ذلك في إطار احتفاء الغرب بكل ما هو ضد الاتحاد السوفييتي السابق.

من المفارقات أيضاً أن «كيسلر» فقد المخطوطة الأصلية، التي كتبها باللغة الألمانية، فأعادت زوجته كتابة الرواية بالإنجليزية، وهي الطبعة التي أصبحت متداولة بعد ذلك، إلى أن اكتشف طالب ألماني المخطوطة المفقودة في إحدى المكتبات القديمة، عام 2018، وتمت ترجمتها إلى الإنجليزية عن النص الأصلي لأول مرة عام ٢٠١٩.

آرثر كيسلر الروائي والصحفي والناقد الإنجليزي، ولد في بودابست، ويعدّ واحداً من أصحاب الأصوات والأفكار الأدبية والسياسية المهمة، وقد درس العلوم الطبيعية وعلم النفس في جامعة ڤيينا، دون الحصول على درجة علمية، ثم عمل في وزارة الإعلام البريطانية، ومراسلاً في فلسطين لصحف أوروبية وأمريكية حتى عام 1948، ثم سافر إلى أمريكا، ومكث فيها سنوات.

وعندما اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 عمل مراسلاً صحفياً لبعض الصحف الغربية، وألقي القبض عليه، من قبل قوات الجنرال فرانكو، وزجّ به في السجن، لينتظر الحكم بإعدامه، في أية لحظة، وكان جو السجن جزءاً لا يتجزأ من نظام حياته، من هنا جاءت دقة وصفه لمناخ الشمولية، الذي يتناوله في «ظلام في الظهيرة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xh3w4ha

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"