عادي
ذروة الفن البريطاني في القرن التاسع عشر

«سيدة شالوت» لووترهاوس.. لعنة الحب

00:06 صباحا
قراءة 4 دقائق
جون وليام ووترهاوس - سيدة شالوت

الشارقة – عثمان حسن

جون ويليام ووترهاوس فنان إنجليزي من العصر الفيكتوري، ولد في روما سنة 1849، والداه هما الرسامان: ويليام وإيزابيلا ووترهاوس، في سن خمس سنوات انتقلت عائلته إلى لندن، علمه والداه الرسم وهو صغير قبل التحاقه بالأكاديمية الملكية للفنون سنة 1870، وفي عام 1895 انتخب ووترهاوس كعضو في الأكاديمية الملكية للفنون، وقد توفي سنة 1917 بلندن.

عرف جون ويليام ووترهاوس بلوحاته التي تستند موضوعاتها إلى الأساطير الكلاسيكية، وكما أسلافه من الفنانين فقد تأثر بالمدرسة «ما قبل الروفائيلية»، وهم مجموعة من الفنانين الذين كانت أعمالهم على صلة وثيقة بالموضوعات الأدبية، كما هو حال اللوحة الشهيرة لجون ويليام «سيدة شالوت» التي أنجزها في عام 1888، وهي مستلهمة من قصيدة شهيرة للشاعر الإنجليزي ألفريد تينيسون، وكتبها في عام 1832 بذات العنوان، واللوحة محفوظة منذ 1915، ضمن مجموعة معرض الفنون في أونتاريو، كندا.

اللوحة

تصور لوحة «سيدة شالوت» وهي من أشهر لوحات جون ويليام الحالة المأساوية لهذه السيدة، التي بحسب القصيدة، كانت تعيد سرد أسطورة من العصور الوسطى لتينيسون عن سيدة اسمها إيلين من أستولات، التي ماتت من الحب (وهو حب من طرفها فقط للسير لانسلوت) وفقاً للأسطورة، فقد أصابها هذا الحب باللعنة، فتم عزلها في برج بالقرب من قلعة كاميلوت (بناء على أسطورة الملك آرثر) وفي اللوحة، يحاول جون ويليام أن يصور حال المرأة في قصيدة تينيسون، فهذه اللعنة منعتها من مغادرة برجها، وها هي تجلس وحيدة في البرج، وتقوم بإشغال نفسها بالحياكة، وهي لا يسمح لها بمشاهدة الواقع إلا من خلال صورتها المعكوسة في المرآة. لكنها تقرر أن تتحدى لعنتها، فتنظر من النافذة، وتتجه نحو قارب صغير متّجه إلى كاميلوت. لكنها عوقبت على فعلتها، ويكون مصيرها الموت قبل أن تصل إلى وجهتها.

ولوحة سيدة شالوت لجون ويليام، تصور معاناة السيدة في لحظاتها الأخيرة، وهي تترك سلسلة القارب، بينما يلهج طرف فمها بالغناء، وهي «أغنيتها الأخيرة»، حيث تظهر في القارب أثناء حبسها، ويظهر النسيج الذي حاكته ملفوفاً فوق بدن القارب. في إشارة إلى قرب فجيعتها، والحكم عليها بالموت، كما يظهر أمامها صليب، وبجواره ثلاث شمعات، اثنتان تبدوان مطفأتين وبلا لهيب، في إشارة إلى أن حياتها ستنتهي قريباً.

خلفية

قصيدة تينيسون تعيد سرد أسطورة من العصور الوسطى للملك آرثر عن إيلين من أستولات، والملك آرثر يعد أحد أهم الرموز الميثولوجية في بريطانيا العظمى، بل هو يشكل الشخصية المحورية في دائرة الأساطير الميثولوجية.

تقنية

تظهر في لوحة شالوت براعة استثنائية في التصوير، قريبة من المدرسة الانطباعية، حيث يلعب طلاء الفرشاة على القماش طوراً لافتاً في الرسم.

بدأ ووترهاوس الدراسة في الأكاديمية الملكية في لندن عام 1870، في البداية سعى وراء النحت، وبحلول عام 1874، تحول إلى الرسم، وقد تميزت لوحاته بألوانها الغنية والمتوهجة، وهي خصائص اجتمعت في معظم أعمال المدرسة «ما قبل الروفائيلية»، وقد صور العديد من النساء الجميلات، في حالات نفسية مختلفة، من الفتيات اللواتي يعشن أشكالاً عديدة من المحن، والنساء الساحرات أو القاتلات. وقد اهتم جون برسم الشخصية المأساوية «أوفيليا» ولديه ثلاث محاولات لرسمها في الأعوام (1889، 1894، 1910)، وكل محاولة جسدت لحظة مختلفة من القصة انتهاء بنهايتها حين اقتربت من الموت. كما رسم ووترهاوس أكثر من مرة الشخصية الرئيسية في قصيدة تينيسون عام 1832 «سيدة شالوت» وهو موضوع حاز تقدير مجموعة «ما قبل الروفائيلية» كما هو حال اللوحة التي أنجزها في 1888، وصورت شالوت جالسة في قارب عائم في تجاه مجرى النهر حتى وفاتها الوشيكة.

نماذج احترافية

ينظر النقاد إلى مسيرة جون ووترهاوس بالتدرج ما بين النمط الفني الكلاسيكي لألما تاديما والصورة الأسطورية والرومانسية لما قبل الروفائيلية، مثل دانتي غابرييل، روسيتي، وجون إيفريت ميليه، وويليام هولمان هانت، لكن ووترهاوس كان بارعاً في الرسم باستخدام الزيت والألوان المائية، مروراً بلوحة «سيدة شالوت» التي تعتبر ذروة الفن البريطاني في القرن التاسع عشر، وقد استخدم ووترهاوس نماذج احترافية في الكثير من أعماله الفنية، لا سيما في وقت لاحق، وقد كان تدريبه المبكر في تقنيات الفن عن طريق والده، قد لعب دوراً حاسماً في مسيرته الفنية، التي مازجت بين مختلف أشكال الفنون. وقد كان موضوع الأساطير الرومانية الذي حدث في فترات معينة من حياته المهنية، مستوحى من الوقت الذي عاشه في إيطاليا كصبّي، غير أن الجزء الرئيسي من أعماله هو في الأساس أسلوب إنجليزي، مع صور ما قبل الروفائيلية، التي بدأت تتسلل إلى أعماله لاحقاً، حيث تميزت هذه بسمات معمارية، من حيث غنى تصميم الخلفية في المشهد التصويري مما يذكر بنماذج عصر النهضة، أكثر من التقنيات القوطية السابقة.

القصيدة

توضح لوحة «سيدة شالوت» مقطعاً من الجزء الرابع من «سيدة شالوت» لتينيسون:

وأسفل امتداد النهر الخافت

مثل عراف جريء في نشوة،

يرى كل أخطائه الخاصة

مع وجه زجاجي

هل نظرت إلى كاميلوت.

وفي نهاية اليوم

فكّت السلسلة، واستلقت إلى الأسفل.

حملها التيار الجارف بعيداً.

شعبية

حظيت قصيدة تينيسون بشعبية كبيرة بين الشعراء، وألهمت العديد من الرسامين كما هو حال «سيدة شالوت» (1878) لجون أتكينسون جريمشو، وسيدة شالوت (1857) لدانتي غابرييل روسيتي، وسيدة شالوت (1905) لويليام هولمان هانت. في حين برز ووترهاوس في هذا العمل أسلوباً وموضوعاً، ذلك لأنه أغرم بقصيدة تينيسون، فصارت اللوحة من أبرز أعماله وقد سبق له أن رسم الشخصية في نسختين إضافيتين، وبعنوانين مختلفين: (سيدة شالوت تبحث عن لانسلوت (1894) و«أنا شالوت نصف مريضة في الظلال» في 1915.
جدل
جادل بعض الرسامين والنقاد، أن لوحة «سيدة شالوت» قد رسمها جون ويليام تكريماً للرسام جون إيفريت ميليه ولوحته أوفيليا (1851-1852)، حيث تميز كلا العملين بضربات الفرشاة في مسحة انطباعية ظاهرة، وقد ظهرت «سيدة شالوت» أمام الجمهور في عام 1894 من قبل السير هنري تيت، وكانت واحدة من اللوحات الأصلية التي تبرع بها هنري وهي معروضة في متحفه بلندن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/v7v5y74a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"