عادي
مطالبات بلجنة لمراجعتها واعتمادها

الكتب الإثرائية الأجنبية تغرد خارج سرب الهوية الوطنية

01:16 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم
هدمت العولمة في التعليم، الحواجز بين مجتمعات العلم والمعرفة، وأزالت «فوارق» كانت تعوق سبل التواصل بين المتعلمين في السابق، ليسود الثراء المعرفي، وتنتشر المنصات التعليمية بعلوم ومعارف في مختلف التخصصات، ما ينعكس على جودة المنتج التعليمي.

وعلى الرغم من أن المناهج الأجنبية تشكل قيمة مضافة للمنظومة التعليمية، فإنها تأتي من حين لآخر بمغالطات ومحتويات غير لائقة وأخطاء سواء ضمن المنهاج الأساسي أو الإثرائي، لتسمم عقول الطلبة في بعض المدارس الخاصة؛ إذ تبتعد عن قيم المجتمع وأخلاقياته ومقوماته جملة وتفصيلاً، ومع تكرارها بات الأمر غير مقبول، ولا يجوز وجودها في كتب تعليم الأبناء. وأعتبر خبراء أن المغالطات والأخطاء في كل حالاتها تجاوزات مرفوضة؛ إذ إنها تُزيّف الحقائق، وتتلاعب في الوقائع، وتصدر للمتعلمين أفكاراً واتجاهات مسمومة، والمعارف في هذه الحالة «مزيفة»، وتعد سموماً تُدس في مناهج الطلبة الدراسية، مشددين على أهمية استحداث جهة اتحادية مختصة بشأن مراجعة محتوى المناهج الأجنبية وما يرافقها من كتب إثرائية، وتدقيقها جيداً قبل اعتمادها ووصولها للمتعلمين.

عدد من التربويين ومديري المدارس، أكدوا أن مسؤولية «المراقبة والمراجعة والتدقيق»، تقع على عاتق المجتمع بفئاته كافة، للتصدي لأي أخطاء تحاول غزو عقول أبنائنا، موضحين أن حماية المتعلمين، وتقويمهم بالشكل الصحيح، يتطلبان وجود جهة رقابية موحدة لتؤدي تلك المهام، بما فيها الاعتماد، بدقة ومنهجية وجودة عالية، لاسيما أن معظم الكتب لمؤلفين من غير العرب.

وأفاد أولياء أمور بأن الأخطاء والمغالطات والمحتوى غير اللائق، إشكالية متجددة، نصطدم بها على فترات متباعدة، وعلى الرغم من الاعتراض المتكرر، يأتينا الرد من إدارات المدارس في كل مرة بأنها غير مقصودة، مطالبين بتشديد الرقابة والمتابعة على المناهج الأجنبية، لاسيما الإثرائية التي تحمل معها مخاطر جمة على الأبناء تتجاوز في مضمونها الأخطاء غير مقصودة.

تعددت جهود واتجاهات الجهات المعنية في هذا الشأن، وركز معظمهم على تشكيل لجنة لمراجعة الكتب واعتماد صلاحيتها، بما يتماشى مع قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، وهناك البعض الذي وفر المعايير والضوابط، وإلزام مدارسه بتطبيقها لتتحمل مسؤولية الأخطاء التي ترد في محتوى المناهج.

«الخليج» تناقش مع مجتمع التعليم، قضية الكتب الأجنبية وما تحمله من أخطاء ومغالطات ومحتويات تغاير الواقع، وتزيّف الحقائق، وتغيّب أفكار أبنائنا، ودور المجتمع في التصدي لتلك التجاوزات.

أخطاء ومغالطات

البداية كانت مع أولياء أمور يدرس أبناؤهم مناهج أجنبية «بريطاني، أمريكي، البكالوريا دولية»؛ إذ أكد إيهاب زيادة، وسحر فوزي، ومهرة علي، وميثاء حمد، وحمدان عبدالله، أن الأخطاء والمغالطات في المناهج التعليمية الأساسية لأبنائهم تعد قليلة جداً، على عكس ما ترد في الكتب الإثرائية المصاحبة من حين لآخر، معتبرين أن هذه الإشكالية متجددة يصطدمون بها على فترات متفاوته.

وقالوا إنه خلال الأيام القليلة الماضية، أثارت بعض الدروس الإثرائية غضب أولياء الأمور؛ إذ تضمنت محتوى غير لائق، وليست المرة الأولى، موضحين أن نوعية هذه الأخطاء تعد مخاطر تهدد عقول الأبناء، وتؤثر سلباً في اتجاهاتهم الفكرية وسلوكياتهم، والجميع يعول على المدارس لتعليم الأبناء العلوم الصحيحة، وتكرار هذه السلوكيات يستحق وقفة جادة لمواجهة المعارف «الفاسدة» المصدرة لأبنائنا من الخارج.

تشديد الرقابة

وأشاروا إلى أن هناك ضعفاً في الرقابة على المقررات والكتب الإثرائية الأجنبية، وقد يكون بسبب السرعة في التدقيق أو عدم تأهيل الكوادر القائمة على هذه المهام، مؤكدين ضرورة تشكيل لجان تفتيشية رقابية عاجلة، للمراجعة والتدقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة، مطالبين بتشديد المتابعة والرقابة على المدارس التي تتبع المناهج الأجنبية، لمنع تلك التجاوزات، حفاظاً على الهوية الوطنية والاتجاهات الفكرية والثقافية للأبناء.

وأكدوا أهمية تأسيس هيئة اتحادية مختصة بمراجعة محتوى الكتب الأجنبية وتدقيقها بأساليب حديثة ودقيقة، فضلاً عن إعادة النظر في دخول تلك الكتب ودور النشر المصدرة لها.

مراجعة دقيقة

وفي وقفة مع عدد من التربويين ومديري المدارس، أكد كل من أسماء. د، رانيا.ح، خالد.م، طارق.و، ريم.س، أن الأخطاء التي تأتي في الكتب الإثرائية الأجنبية، تحتاج إلى مراجعة دقيقة من جهات الاختصاص، حيث إن إدارات بعض المدارس غير مؤهلة للقيام بهذا الدور، وتكمن أهمية المراجعة والتدقيق والاعتماد في حماية الأبناء من أي مغالطات أو تزييف في الحقائق أو محتوى غير لائق، لاسيما أنها تأتي في شكل إثرائي، وصناعة أجنبية، قد تجهل مفاهيم قيم المجتمع وعاداته وتقاليده.

وأشاروا إلى أهمية حصول المدرسة على الموافقة من الجهات المعنية لتدريس المناهج الدراسية، من خلال عدد من الإجراءات، تتضمن رسالة خطية محدد فيها المنهاج الذي سيتم تدريسه، فضلاً عن تقسيم المواد الدراسية إلى 3 مجموعات، تحاكي كل مجموعة مرحلة تعليمية مختلفة، ثم ترسل للمعنيين لمراجعتها، وقد يستغرق الأمر أكثر من 10 أشهر، ومنعت اللوائح أية مدرسة تدريس مناهجها قبل الحصول على الموافقة النهائية.

وقالوا إن أبرز التحديات التي تواجه المدرسة في ظل تداعيات العولمة، تتمثل في محاولة بعض المؤلفين في الغرب طمس الهوية العربية، وتزييف الحقائق، وتذويبها وتشويه الشخصية العربية، ووصفها بالجمود والتخلف، فضلاً عن استهداف قيم ومبادئ وأخلاقيات المجتمع، ودس هذا الخليط السام عبر المناهج الأجنبية والكتب الإثرائية، تحت عنوان عريض يحاكي من خلاله العالم.

فوارق وخصوصيات

توقفنا قليلاً مع الخبيرة التربوية آمنة المازمي، التي أكدت أن العولمة التعليمية هيمنت على ثقافات ومناهج الأنظمة الأخرى؛ إذ أزالت الفوارق والخصوصيات التي تحكم السلوك والقيم، ما أدى إلى اهتزاز المنظومة القيمية، فالأخطاء التي ترد في المناهج الأجنبية سواء كانت أساسية أو إثرائية، ينبغي الانتباه إليها جيداً، حيث تحتوي على مغالطات تزيّف الواقع، وتتلاعب في أفكار واتجاهات الطلبة بشكل يبعد تماماً عن قيم وأخلاقيات مجتمعاتنا.

وقالت إن كان المحتوى المعرفي والتعليمي الأجنبي مهماً في عصر المعرفة والتكنولوجيا، إلا أنه من الضروري وضع آليات صارمة وجهات مختصة، للمراجعة والتدقيق والاعتماد، للمحافظة على عقول أجيالنا، لاسيما أن تلك الأخطاء تؤثر سلباً في بناء الشخصية والاتجاهات الفكرية للطلبة، فدخول أطراف خارجية في العملية التعليمية، يلزم الجميع بأدوار وطنية كبيرة، لمعرفة ما يتم تصديره لنا، حتى لا يتعرض أبناؤنا إلى مناهج وثقافات غير لائقة، تهدد عقولهم بألوان متعددة للغزو الفكري.

منظومة واسعة

ويرى الخبير التعليمي الدكتور وافي الحاج، أن المغالطات التي تأتي في المناهج الأجنبية بأنواعها، تمثل مخاطر كبيرة على الأبناء والأجيال؛ إذ تحاكي التكوين الفكري والعقلي للطلبة، حيث تأتي ضمن منظومة واسعة لتغريب أفكار الأجيال، وإبعادهم عن القيم وأخلاقيات مجتمعاتهم، فينبغي أن تكون هناك جهة مختصة تعمل وفق معايير موحدة وتكون مسؤولة بشكل كامل عن مراجعة وتدقيق واعتماد أي كتاب يأتي من الخارج، ودراسته بدقة كبيرة، لاسيما أن مؤلف تلك المغالطات يعلم حقائق الأمور ويحاول دائماً تزييفها، بهدف تضليل وتغريب فكر الطلبة. وأكد أن الجهات المعنية والمدارس ضحايا تلك الأخطاء والمغالطات، التي تأتي ضمن محتوى الكتب الأجنبية، فالجهات المنوطة، تركز في عملها على تحقيق أعلى درجات الجودة في المراجعة والتدقيق، لتفادي الأخطاء التي تضر بعقول الطلبة، والسياسة العامة للمجتمع، ويتطلب ذلك وقتاً طويلاً للإنجاز، وهذا يتعارض مع مصالح المدارس الخاصة التي تسعى إلى سرعة إنجاز الإجراءات، لممارسة أعمالها، مما يضر بعوامل الدقة والمراجعة والتدقيق والاعتماد، والحل الأمثل يكمن في استحداث هيئة اتحادية مختصة تدير هذا الشأن وفق معايير وضوابط وإجراءات.

ملكية الإرادة

تعد الصين واليابان والهند وألمانيا نماذج واقعية عانت مشاكل جمة في هذا الشأن يتجاوز ما شهدته بلدان الوطن العربي، لكنهم ركزوا على الهوية الوطنية وبناء الأجيال بما يتماشى والسياسة العامة لكل دولة، وانتبهوا جيداً لكل ما يصدر لهم من الخارج عبر المناهج الدراسية أو الكتب الإثرائية، وأدركوا أنها تؤثر بفاعلية في الاتجاهات الفكرية للطلبة، وهنا ملكوا الإرادة وحققوا نجاحات وإنجازات من خلال التعليم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xcft93d

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"