عادي

«النظرة» بحث ميداني في مأثور الحسد

00:44 صباحا
قراءة دقيقتين

القاهرة: «الخليج»

يلعب اقتناع الإنسان أو إيمانه بفكرة أو عقيدة معينة دوراً كبيراً في تواتر هذه الفكرة أو العقيدة وانتقالها من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، حتى يصل الأمر في النهاية إلى عقيدة يصعب اقتلاعها، ومن ثَم انتقالها من جيل إلى جيل، خاصة إذا ارتبطت تلك العقيدة بالناحية الدينية اللصيقة بالإنسان، ويعلم الإنسان أن الحسد مذكور في القرآن، فيسعى حينئذ إلى الوقوف ضد أي محاولة للتغيير.

يشير أسامة الفرماوي في كتابه «النظرة في المأثور الشعبي» إلى أن النظرة هي فعل العين، والمنظور الذي أصابته نظرة، والنظرة وما يستتبعها من أذى يصيب المحسود معتقد راسخ في أذهان العامة، ويجد قبولاً واستجابة من الآخرين، وتعد المأثورات الشعبية بمنزلة الجدول الرفيع الذي ينساب برفق، ويتغلغل بداخلنا. وتدخل النظرة في إطار المعتقدات الشعبية التي تتميز بأنها خبيئة في الصدور، وهي مجموعة من التصورات حول أشياء ما قُدّر لها الانتشاران الزماني والمكاني.

وفي الوقت الذي لم يثبت فيه علمياً حتى الآن أن الشكل الظاهري للعين له علاقة بموضوع الحسد؛ بمعنى أنه لا توجد أبحاث علمية تؤكد أن هناك أوصافاً محددة لشكل العين نستطيع من خلالها أن نقول أن صاحب هذه الأوصاف (عائن)؛ أي له القدرة على الحسد، فإننا نجد أن التراث الشعبي يعدد أوصاف هذه العين؛ فهي «مدورة، نارية»؛ لأنها حادة وتصيب في مقتل.

يمارس الشعبي طقوساً تعبّر عن هذا المعتقد منذ الصغر؛ فعند الولادة تحرص الأم الوالدة أو من حولها ممن يهمهم أمرها أن يظل خلاص الطفل المولود في حجرة الأم لعدة «أذانات» متتالية لحماية المولود من الحسد، ولا يتم التصريح بجنس المولود -خاصة إذا كان ذكراً- إلا للمقربين جداً خوفاً من الحسد، كما تلبس الأم الولد ملابس بنت، ويحظر دخول أناس بعينهم اشتهر عنهم القدرة على الحسد لزيارة الوالدة ورؤية المولود.

ومن بين الممارسات التي يحرص الشعبي على أدائها خوفاً أن يطاله هو أو شخصاً عزيزاً لديه أذى النظرة إمساك الخشب، ويقال هذا التعبير عندما يأتي الإنسان فعلاً لا يتناسب وقدراته البدنية أو العقلية، وهناك أيضاً الرُّقية، والتخميس في وجه من يُعتقد أنه يحسد، وذبح ذبيحة، وطبع كف بدمها على الباب، والوخز بالإبرة للتخلص من العين وشرها.

تشكل هذه الممارسات الوعاء الاجتماعي للممارسات اليومية بين أفراد الجماعة، لكن العلاقات بين أفراد المجتمع تتأثر، ويظهر هذا بوضوح من خلال تجنّب الدخول في علاقات مباشرة مع من يعرف أن لديه القدرة على الحسد، وتجنّب الظهور في مجال رؤية (العائن). ولا يرتبط هذا المعتقد (النظرة والحسد) بفئة أو طبقة اجتماعية معينة؛ فالوضعان الاجتماعي والطبقي ليس لهما أدنى تأثير في رفض هذا المعتقد أو محاولة تغييره؛ إذ يتغلغل هذا المعتقد في ثنايا الإنسان، فالكل نسيج واحد، تشرب عاداته وتقاليده ومعتقداته من معين واحد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3yz5ekvt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"