عادي

لغات خاصة برجال العصابات الإجرامية

21:35 مساء
قراءة دقيقتين

القاهرة: «الخليج»

يؤكد «مارك جاليوتي» في كتابه «الفوري.. السوبر مافيا الروسية» أن لكل الثقافات الفرعية الإجرامية لغاتها الخاصة بها، سواء المنطوقة أو البصرية، تستعرض عصابات الياكوزا اليابانية بتباهٍ وشوماً مفصلة لتنانين وأبطال وزهرات أقحوان، ولدى بلطجية الشوارع الأمريكية ألوان خاصة بعصاباتهم، وينفرد كل تخصص إجرامي بمصطلحاته الفنية، ولكل وسط إجرامي لغته العامية، وهذا يخدم الأغراض كافة من تمييز المنخرطين فيه عن الدخلاء، حتى إظهار الالتزام نحو المجموعة، إلا أن الروس متميزون بحق في نطاق وتجانس لغاتهم المنطوقة والبصرية، وتوجد أدلة مدهشة ليس على الاتساق المنطقي وتعقيد تركيبة ثقافة عالمهم السفلي فحسب، لكن تصميمهم أيضاً على رفض بل وتحدي التيار الرئيسي للمجتمع، إن فك شفرة تفاصيل لغات «الفوري» يخبرنا بالكثير عن أولوياتهم وشواغلهم وأهوائهم.

يرى مؤلف هذا الكتاب الذي ترجمه إلى العربية هشام ممدوح طه، أن الثقافة الفرعية للفوري تعود إلى فترات سابقة لأيام القياصرة، لكن أعيد تشكيلها جذرياً في معسكرات الجولاج أيام حكم ستالين، من الثلاثينات حتى الخمسينات، أولاً تبنى المجرمون رفضاً لا يقبل المساومة، وغير معترف بالندم، إزاء العالم، نقشوا وشوماً على أجسادهم بشكل ظاهر، في إشارة درامية إلى التحدي، كانت لهم لغتهم وعاداتهم، وشخصية تمثل السلطة الخاصة بهم، كان هؤلاء يسمون باللصوص ضمن الميثاق وتترجم حرفياً إلى «اللص ضمن القانون» القانون يشير إلى قانونهم، وليس ذلك الذي يخص بقية المجتمع.

يوضح المؤلف أنه بمرور الزمن سيتغير ميثاق «الفوري»، إذ إن جيلاً جديداً أغرته فرصة التعاون مع دولة لا تعنيها سوى مصالحها وفق شروطه، سيفقد «الفوري» هيمنتهم، ويتخذون دوراً ثانوياً لبارونات السوق السوداء، وبعض القيادات الفاسدة في الحزب الشيوعي، لكنهم لم يختفوا في الفترة الرمادية – على حد وصف المؤلف – في الستينات والسبعينات، وفي الوقت الذي كان يمضي فيه النظام السوفييتي بصعوبة نحو سقوطه الحتمي ظهروا من جديد، وأعادوا مرة أخرى طرح أنفسهم لسد احتياجات اللحظة.

وفي روسيا ما بعد المرحلة السوفييتية امتزجوا بالنخبة الجديدة، اختفت الوشوم أو جرى إخفاؤها تحت القمصان المفرودة البيضاء لسلالة جديدة من رجال العصابات، الأعمال التجارية ضارية في جشعها وسموا أنفسهم «السلطة» في التسعينات كان كل شيء لقمة سائغة وقبض «الفوري» الجدد عليها بكل ما أوتوا من شره، جرت خصخصة أصول الدولة مقابل كوبيكات (وحدة من الروبل) وأجبر أصحاب الأعمال التجارية على دفع إتاوات لحماية قد لا يحتاجون إليها، ومع سقوط الستار الحديدي اندفع رجال العصابات الروس خارجين لبقية العالم، شكل «الفوري» جزءاً من أسلوب حياة تعد بطريقتها الخاصة انعكاساً للتغيرات التي مرت بها روسيا عبر القرن العشرين.

يشير الكتاب إلى أنه خلال هذه العملية أصبحت الجريمة المنظمة مشروعاً مستمراً، بعيداً عن الهياكل التقليدية والقانونية يعمل داخله عدد من الناس معاً في ظل تراتبية هرمية خاصة بهم للحصول على السلطة والربح من أجل منافعهم الشخصية عبر أنشطة غير قانونية، في كامل فعاليتها داخل روسيا، التي صارت هي ذاتها أكثر تنظيماً منذ استعادة السلطة المركزية تحت رئاسة الرئيس فلاديمير بوتين بدءاً من عام 2000 زمام الأمور، تأقلم «الفوري» الجدد مرة أخرى وصاروا أقل بروزاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8u8nnx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"