الإمارات ومنتدى بطرسبورغ

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول*
انعقد منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي العام الحالي، في دورته ال 26، في الفترة (14-17 يونيو/حزيران الجاري)، وركز على القضايا والتحديات الاقتصادية الرئيسية التي تواجه روسيا والأسواق الناشئة والعالم ككل. واللافت في هذا الحدث الاقتصادي العالمي هو مشاركة الإمارات بصفة ضيف شرف لهذا العام، بعد أن شاركت مصر بهذه الصفة في نسخة المنتدى عام 2022، وقطر في نسخة عام 2021.

وقد شاركت في المنتدى، الذّي يُنظم سنويا منذ عام 1997، وفود من أكثر من 130 دولة حول العالم، بما في ذلك أكثر من 150 من كبار المسؤولين - رؤساء المنظمات والجمعيات الدولية ووزراء الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية. وناقشت فعاليات المنتدى عدة قضايا أهمها- التحولات في الاقتصاد العالمي، وتكيف الاقتصاد الروسي في ظل العقوبات الغربية، وبناء السيادة التكنولوجية، ودور المؤسسات التقليدية للنظام المالي العالمي في حل الأزمات الاقتصادية التي يختبرها العالم، ودور منظمات دولية أخرى منها منظمة شنغهاي للتعاون في التأسيس لنظام اقتصادي جديد يضمن المساواة بين جميع الدول، ومعالم هذا النظام الاقتصادي الجديد.

ومن الواضح أنّ منظمي المؤتمر من الروس وأغلب المشاركين كانوا مهتمين بفكرة التأسيس لنظام اقتصادي دولي جديد يكون بديلاً للنظام الحالي الذي وضعت أعمدته بعد الحرب العالمية الثانية ويسيطر عليه الغرب والولايات المتحدة. كما أنّ من أهم نتائج المنتدى تعزيز دور مجموعة «بريكس»، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، في الاقتصاد العالمي، ولاسيما في ضوء إعلان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن الاتجاه لتوسيع عضوية المجموعة، عن طريق ترشيح دولة الإمارات والسعودية ومصر والجزائر للالتحاق بالمجموعة. والحق أن انضمام أعضاء جدد لمجموعة «بريكس» سيصب في مصلحة تقوية ودعم التعددية القطبية التي تتشكل الآن. كما أن قمة بريكس المقبلة قد ينتج عنها عملة بريكس.

والأهم من ذلك أن منتدى بطرسبورغ بعث برسالة واضحة للغرب باستحالة عزل دولة بحجم وثقل روسيا وعلاقاتها المتشعبة مع دول العالم. وربما تكون الرسالة الأوضح للمنتدى أنّ روسيا، برغم العقوبات والضغوط الغربية، تواصل شراكاتها مع باقي دول العالم.

وأعود إلى مشاركة الإمارات في المنتدي، فقد حضرت بوفدٍ كبير الحجم (ثاني أكبر الوفود المشاركة بعد الوفد الأمريكي) رفيع المستوى، يضم حاكم إمارة رأس الخيمة، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، الشيخ سعود بن صقر القاسمي، وعدداً من الوزراء ورجال الأعمال الإماراتيين.

وبرغم الضغوط الغربية، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بزيارة إلى روسيا، حيث حضر جانباً من المنتدى وتفقد جناح الدولة فيه، وعقد قمةً مع الرئيس فلاديمير بوتين في سانت بطرسبورغ، ركزت على تعزيز الشراكة بين البلدين، والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وأهمية الحلول السياسية للأزمة الأوكرانية.

يُذكر أنّ الشيخ محمد بن زايد زار روسيا بصفات مختلفة 11 مرة، كان آخرها في أكتوبر(تشرين الأول) 2022. ويُذكر أيضاً أن الإمارات هي الشريك الرئيسي لروسيا في الشرق الأوسط؛ حيث بلغ حجم التجارة بينهما 9 مليارات دولار. وتعود الشراكة بين الدولتين إلى عام 2018 أثناء زيارة الشيخ محمد بن زايد، وهو حينئذٍ نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ولي عهد أبوظبي، إلى روسيا، ثم زيارة الرئيس بوتين إلى الإمارات عام 2019. وتتجه العلاقات بين الإمارات وروسيا نحو تعميق وتوسيع الشراكة الاستراتيجية. وقد بدأت عملية تطوير اتفاقية بشأن إنشاء منطقة تجارة حرة بين دولة الإمارات ودول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

بيد أنّ زيارة الشيخ محمد بن زايد الأخيرة إلى سانت بطرسبورغ حملت مضمون إمكانية تحول الشراكة الاستراتيجية الثنائية إلى شراكة ثلاثية تشمل روسيا والإمارات ومصر. ففي أثناء الزيارة، تحدث الرئيس الروسي والشيخ محمد بن زايد عن إقامة منطقة صناعية روسية في مصر، فبادر صاحب السمو رئيس الدولة برغبته في جعل المشروع ثلاثياً.

والخلاصة، أن التئام منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في هذا التوقيت، الذي يختبر فيه العالم حالة تحول مضطربة وتختبر فيه الحرب الروسية -الأوكرانية مرحلة جديدة مع انطلاق الهجوم الأوكراني المضاد في الأسبوع الأول من هذا الشهر، ومستوى المشاركة الكثيف فيه يرفد الاتجاه نحو التعددية القطبية برافدٍ جديد.

كما أن حرص الشيخ محمد بن زايد على المشاركة في المنتدى ولقائه الرئيس بوتين يفصح عن مبدئي التوازن وتنويع الشركاء، وهما مبدآن أساسيان في السياسة الخارجية الإماراتية.

[email protected]

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/f4h7pycz

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"