الكابوس السوداني

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

ماذا بقي من السودان الذي كنّا نعرفه ونألفه، بل الذي كنّا نأمله بعد انتفاضة الشعب السوداني المجيدة، وتضحياته التي أسقطت نظام البشير الذي جثم على صدره ثلاثين عاماً، بكل ما حمله من موبقات ومآسٍ وفساد وفقر وجوع ؟

كنّا نأمل أن يحقق الشعب السوداني الأهداف التي سعى إليها، بقيام دولة ديمقراطية، ونظام مدني، تسوده العدالة والحرية والعدالة الاجتماعية، ويرفع عنه الظلم والهوان.

هذا الأمل الحلم تبخر يوم 15 أبريل/نيسان الماضي مع انفجار الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وها هو يتواصل ليدخل شهره الرابع من دون نقطة ضوء، توحي بوقف حمام الدم الذي أدخل الشعب السوداني في غياهب المجهول، بما يحمله من مآس إنسانية، ومخاطر باتت تهدد وجود السودان كدولة.

إن دور القوات المسلحة بجناحيها، الجيش وقوات الدعم السريع، مثلها مثل دور كل جيوش العالم، هو حماية الوطن والمواطنين، والذود عن الحدود وحماية الاستقلال والسيادة ووحدة الأرض.

لكن ما حصل ويحصل، أن الصراع بين الطرفين تحول إلى حمام دم يغرق فيه الشعب والوطن معاً، من دون أن يوضحا للشعب السوداني لماذا انفجر الصراع، وما هي أسبابه، وماذا يريدان، سوى الصراع على السلطة، وتحقيق أهداف شخصية لا علاقة لها بما يريده الشعب السوداني.

ما يتجاوز أي منطق، أن تتحول الخرطوم والمدن الأخرى إلى ساحة حرب فعلية، ثم إلى ساحة يتم فيها استباحة الأبرياء في منازلهم وفي الشوارع، حيث تتم عمليات نهب منظمة للمنازل والمحال والمخازن والأسواق التجارية والتعدي على المستشفيات وإخراجها من العمل ودورها الإنساني، إضافة إلى هتك الأعراض، كما أوردت تقارير الأمم المتحدة التي وصفت الوضع السوداني ب«الكارثي»، والتحذير من الوصول إلى نقطة «اللاعودة والانهيار الشامل»، واحتمال اندلاع «حرب أهلية» بما قد تؤدي إليه من ارتكاب مجازر وعمليات «إبادة» كما يجري في بعض المناطق في إقليم دارفور. وهذا كله يؤدي إلى ما تسعى إليه قوى إقليمية ودولية من احتمالات التقسيم والانفصال، بحيث يتذرر السودان إلى أقاليم وولايات منفصلة على غرار ما حدث لجنوب السودان عام 2011.

لقد تحول الشعب السوداني إلى ضحية صراع غير معروف الأهداف والمرامي، سوى شهية السلطة والتفرد. فما ذنب مليوني مواطن أن يهجروا مساقط رؤوسهم ومنازلهم، ويتركوا أعمالهم، وجني أعمارهم ويفروا إلى داخل السودان ودول الجوار، بحثاً عن الأمن والأمان لمواجهة الجوع والتشرد والأمراض، وتحت رحمة ما يجود به العالم من عون ومساعدة؟

إن الجوع على السلطة أسقط كل الوساطات والمبادرات، للتوصل إلى هُدن، أو وقف دائم لإطلاق النار، وصولاً إلى مفاوضات تؤدي إلى تسوية سياسية، تحفظ ما بقي من السودان، وتعيده إلى الحياة.

كفى، آن لهذا الليل أن ينجلي، فالشعب السوداني لا يستحق هذا الكابوس الكارثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mpp62r72

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"