تنامي الـ«بريكس» والتراجع الأمريكي

22:16 مساء
قراءة 3 دقائق

توم أوكونور *

تكافح الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها عبر أجزاء شاسعة من جنوب الكرة الأرضية، في وقت يتلقى فيه تكتل «البريكس» المتوسع، بقيادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، طلبات انضمام أكثر من أي وقت مضى، مما يشير إلى حرف متزايد لدفة النظام الاقتصادي العالمي.

وفي اجتماع رفيع المستوى، التقى كبار الدبلوماسيين من دول البريكس الخمس الأساسية في كيب تاون بجنوب إفريقيا، تمهيداً للقمة السنوية الخامسة عشرة للزعماء المقرر عقدها في ديربان، على الساحل الشرقي للبلاد في أغسطس/آب المقبل.

ورغم رفض المحللين الغربيين منذ فترة طويلة للتكتل، معتبرين أنه مجرد زواج مصلحة متعدد الأطراف، إلا أن اجتماعات بريكس هذا العام تمثل فرصة لمناقشة المدى الذي وصلت إليه المجموعة، وأين يكمن مستقبلها وسط الدعوات المتزايدة لتحدي النظام المالي العالمي بقيادة الغرب، وكسر هيمنة الدولار الأمريكي.

وأكد أنيل سوكلال، الدبلوماسي المخضرم الذي يعمل سفيراً لجنوب إفريقيا لدى البريكس، أن المجموعة لا تعارض أي مجموعات أخرى، وتود باستمرار التعاون مع جميع الشركاء العالميين في شمال الكرة الأرضية وجنوبها للتصدي لبعض أكبر التحديات التي تواجه الجميع فيما يتعلق بالهندسة الاقتصادية الجيوسياسية، والجغرافية المالية العالمية، ومعالجة التهميش المستمر لبلدان الجنوب العالمي في بيئة متغيرة للغاية.

وبينما حدد سوكلال عدداً من العوامل التي تؤدي إلى عدم المساواة، بما في ذلك تغير المناخ، والآثار المستمرة لوباء كورونا، والفجوة التكنولوجية العالمية المتزايدة، جادل بأن أوجه القصور وتآكل هيكل النظام العالمي الحالي متعدد الأطراف والعقوبات الأحادية التي تقودها الدول الأكثر ثراءً، هي التي تجذب المزيد من الدول للانضمام إلى مجموعة البريكس.

وتجلت هذه الجاذبية قبل عام عندما حضر نحو 19 من قادة العالم قمة «بريكس+» التي استضافتها الصين في يونيو/حزيران 2022. وتعد الجزائر، والأرجنتين، وإيران، والسعودية من بين الدول التي تقدمت رسمياً للحصول على العضوية. بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك مصر وإندونيسيا والمكسيك وتركيا والإمارات، التي تخطط للقيام بذلك. وقال سوكلال، إن أكثر من 20 دولة من جميع أنحاء العالم حتى الآن تقدمت بطلب أو أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى «البريكس».

لقد تمت صياغة مصطلح «بريك» BRIC عام 2001 على يد الاقتصادي في «غولدمان ساكس» آنذاك جيم أونيل، لوصف الاقتصادات العالمية الناشئة في البرازيل وروسيا والهند والصين. وبعد خمس سنوات، أصبحت الرؤية حقيقة عندما اجتمع وزراء خارجية هذه الدول الأربع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليطلقوا بعدها سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى انتهت بإعلان انعقاد أول قمة لمجموعة «بريك» عام 2009. وفي العام التالي، انضمت جنوب إفريقيا إلى التكتل.

وعلى الرغم من أن المهمة الرسمية لبريكس لا تنطوي صراحة على تحدي الغرب، إلا أن العديد من المشاركين يرون أن هذا هدف ضروري لمصالح الدول النامية لأخذ ما تستحقه وكسر هيمنة الغرب.

وفي الوقت الذي تكافح فيه واشنطن وبكين من أجل زعامة النفوذ العالمي، يجادل محللون بأن الولايات المتحدة تسعى لتحويل بريكس إلى أداة جيوسياسية لاحتواء الصين، وإكراه البلدان أو إقناعها بطريقة بضرورة عدم الانضمام إليها. ومع ذلك، يبدو أن الاستراتيجية حتى الآن تأتي بنتائج عكسية مع تزايد الدعوات داخل المجموعة وبنك التنمية الجديد التابع لها، لمقاومة الهيمنة العالمية للدولار الأمريكي، الذي يمثل حالياً ما يقرب من 58% من احتياطيات العملة العالمية.

لكن من ناحية أخرى، تعتقد مانجاري ميلر، من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن نمو دول البريكس يمثل خطراً وفرصة في آن واحد، ويمكن أن يتحول الحديث من العمل الجماعي إلى طموحات كل من الصين والهند بقيادة الجنوب العالمي، وقد ينتهي التوسع بأن يصبح حجر عثرة أمام المنظمة ككل.

ومع هذا، ترى ميلر أن بريكس تخدم مصالح أعضائها بشكل جيد للغاية. وغالباً ما يفشل الجمهور الغربي في إدراك ذلك لأنهم لا يرون إلا نقاط الخلاف بين بعض أعضائها مثل الصين والهند، مما يحجب حقيقة أنه حتى هؤلاء الأعضاء متفقون على أن هياكل الحوكمة الاقتصادية الحالية مصممة وفقاً لمصالح الغرب فقط، وليس لمصالحهم.

بدورها كانت واشنطن حذرة في رسائلها تجاه التكتل، وصرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأن الانضمام إلى مجموعة «بريكس» قرار سيادي للدول الأعضاء. وبأن الولايات المتحدة تدعم وتحترم حق الدول في تحديد ملامح سياستها الخارجية.

وعلى الرغم من التحديات الجيوسياسية التي ظهرت في ظل رئاسة جنوب إفريقيا للدورة الحالية للمجموعة، لا تزال البلاد إيجابية بشأن قدرة بريكس على معالجة المهام المطروحة على جميع المستويات، السياسية والأمنية، المالية والاقتصادية، الاجتماعية والشعبية.

* كاتب في الأمن القومي والسياسة الخارجية في «نيوزويك»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2h3j2y56

عن الكاتب

كاتب في الأمن القومي والسياسة الخارجية في «نيوزويك»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"