عادي

اللعب مع العائلة.. وصفة سحرية للصحة النفسية

00:00 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة: زكية كردي

«اللعب»، تلك الكلمة السحرية التي تركناها على أبواب النضج، تخلينا عنها في مرحلة ما من حياتنا، لاعتقادنا أنها لم تعد صالحة للشخصية التي نريد أن نكون عليها؛ حيث نحاول أن نكون جديرين بالثقة والاحترام، أن نثبت جدارتنا في الحياة وفي العمل، نبني عائلة ونهتم بها وبمتطلباتها، ننجب أطفالاً ونحرص على رعايتهم وتوفير الأمان والرفاهية لهم، نرغب بإسعادهم وبأن نكون على مقربة منهم، فنتذكر أن اللعب وحده، هو المفتاح السحري الذي يدخلنا إلى عالمهم المدهش، وهو الوصفة السحرية التي يعرفها قلة قليلة من الأهل للمحافظة على توازنهم النفسي، وبناء علاقة عاطفية رائعة مع أبنائهم.

لم يكن والدها رجلاً تقليدياً، كان ذا هيبة ووقار خارج المنزل، إلا أنه مع أطفاله، كان يعود طفلاً مرحاً في أوقات اللعب، هذا أكثر ما تتذكره يارا كيالي، (ربة منزل)، عن طفولتها، وتقول: «تلك المشاهد البعيدة لنا ونحن نلعب مع أبي ونضحك بصوت مرتفع تعد من أغلى الذكريات لدي، فقد كان حريصاً على إسعادنا، والاستمتاع باللعب معنا، وأعتقد أن الذكاء العاطفي الذي كان يملكه هو ما كان يجعله قادراً على خلق هذا التوازن في التربية دون أن يقرأ أو يتعلم عن الأمر، كان يعبر عن حبه لنا، ويحرص على غرس هذه الذاكرة الجميلة بداخلنا، لنكون أصحاء نفسياً، لأننا امتلكنا هذه المشاعر الجميلة، فأول ما يعزز ثقة الطفل بنفسه وبأنه محبوب هو هذه الصداقة الجميلة مع الأبوين».

تدرك نسرين غنيم، (ربة منزل)، بوصفها أماً تضع عائلتها على رأس أولوياتها في الحياة، أهمية القرب من الأبناء ومشاركتهم اهتماماتهم، وتقول: «العلاقة الوطيدة مع الأبناء تبدأ باللعب معهم، والانتقال من كرسي الشخص الذي يمتلك الحق بوضع القوانين في المنزل إلى شخص مختلف مقرب يخضع لقوانين اللعبة بنفس الدرجة، ربما لأنني أحب أن أعتني بأبنائي وأحتضنهم عاطفياً، أدركت أن اللعب معهم هو أكثر ما يجعلني قريبة منهم وقادرة على حمايتهم من الوحدة والفراغ والحواجز النفسية بين الأهل والأبناء، لهذا أعطي أهمية كبيرة للعب معهم، والاهتمام بمشاريعهم الصغيرة قبل الكبيرة، فأنا أستمتع برفقتهم وهذا ما يجعلني صديقة مقربة لهم». 

الصورة

يشاركها الرأي منذر حسون، صاحب محل، بأن اللعب مع الأبناء يعد من أكثر الأشياء التي تمنحنا السعادة، وتعيد إلينا التوازن النفسي، ويقول: «يعاني آباء اليوم ضغوط الحياة ومتطلباتها الكثيرة، وهذا ما يجعلهم أكثر جدية وتشبثاً بشعورهم بالتوتر والقلق والحديث عن الضغوط التي لا تنتهي، الحقيقة أن العلاج الحقيقي لهذه الضغوط هو اللعب مع العائلة، هو أن تنزع عملك على باب المنزل وتتذكر أن بيتك هو المكان الذي تشحن فيه طاقتك من جديد، هذا هو التوازن الحقيقي، أن نجيد الاستمتاع مع أبنائنا والضحك معهم».

لكن هذا الأمر ليس سهلاً كما يبدو حسب محمد بدوي، مدير عقارات، ويقول: «أعتقد أن الموضوع يتعلق بالسمات الشخصية لكل إنسان، فالبعض يتحلى بطباع مرحة وطبيعة حيوية، وهو قادر على خلق التسلية والأوقات المرحة من دون أي جهد، لكن بالنسبة لشخص جاد اعتاد أن يركز على تحمل المسؤولية، والسعي الدائم إلى تطوير مستوى معيشة عائلته، فهذا الأمر يعد صعباً بعض الشيء، خاصة مع ضغوط العمل والتركيز الكبير والمرهق الذي نحتاج إليه لملاحقة الواجبات الكثيرة يومياً. ويضيف أن كل أب يتمنى أن يتمتع بهذه المواهب، ليكون أكثر قرباً من أبنائه، لكن الآباء بطبيعتهم يضعون حماية الأسرة ورعايتها وتوفير الرفاهية لها على رأس أولوياتهم، لهذا نجد أن معظم الآباء يفتقرون إلى المرح في المنزل». 

وقد يعود الأمر إلى النماذج المحيطة بنا، حسب أحمد شعيب، (موظف حكومي)، ويقول: «لعب الآباء والأمهات مع الأبناء ليس شائعاً في مجتمعنا، فالجميع يركز على توزيع المسؤوليات بين الأب والأم، وتوفير أساسيات الحياة ومتطلباتها المتزايدة؛ حيث ترتبط الأمور الترفيهية بالأشياء المادية عادة، وبالقدرة على توفير الاحتياجات المادية للأبناء، ليستطيعوا الاستمتاع بطفولتهم مع أقرانهم، ونادراً ما نشاهد الأهل يلعبون مع الأبناء بمعنى اللعب، قد نراهم يرافقونهم إلى الألعاب، يحاولون مساعدتهم، أو مراقبتهم وحمايتهم، لكن نادراً ما نرى الأهل يلعبون معهم، لأنهم لا يفكرون بالأمر على هذا النحو». 

تتفق معه إيمان الصالح، (موظفة مبيعات)، بالرأي، مشيرة إلى أن الحديث عن لعب الأهل مع الأطفال يعيد إلى ذاكرتها شعورها بالغرابة عندما دعتها زوجة خالها للعب معها ومع أبنائها عندما كانت طفلة، تقول: «كانت مختلفة وغريبة بالنسبة لي، فالأمهات جميعهن في محيطي يحرصن على الاهتمام بالنظافة والتربية والطعام والقوانين، ويحرصن على ألا يفقدن هذا الحاجز الذي قد ينال من هيبتهن أمام الأبناء، أذكر أني تمنيت لو كانت أمي مثلها، ولا أعتقد أن الأمر تغير كثيراً مع آباء وأمهات اليوم، فهن يركزون على الأشياء الأساسية حتى وإن كانوا أكثر تساهلاً ورغبة بتدليل أبنائهم، إلا أنهم يعجزون عن بناء علاقة صداقة حقيقية معهم، ويقيسون رضاهم عن أنفسهم بالتربية، بمدى قدرتهم على توفير المزيد من الرفاهية المادية لأبنائهم، ويكتفون بالابتعاد عن العقاب».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/k7755bdx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"