ضحايا الحلم الأوروبي

00:46 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

تكيل الدول التي ترفع شعار حقوق الإنسان الأمور بمكيالين، حين تتعلق المسألة بشؤونها الداخلية، أو تتعارض مع توجهاتها العامة في حماية مجتمعاتها، التي دخلت في صراع مباشر مع كل ما من شأنه أن يتسبب بخلل في تركيبتها الديموغرافية، لتتحول إلى بيئة طاردة لأناس آمنوا بالشعارات الحقوقية الرنانة التي سمعوها، فتحاملوا على أنفسهم، وركبوا قوارب الموت، في البحر المتوسط، وكتبوا على أمواجه البيضاء وصاياهم، وهم يسعون خلف تحقيق حلمهم، بالوصول إلى أوروبا، لبدء حياة جديدة، لم يكن لأكثرهم النصيب في معايشتها، بعد أن غدر بهم البحر، وأغرقهم ليكونوا ضحايا الحلم الأوروبي.

ملف الهجرة إلى أوروبا الذي يشهد في الفترة الحالية حراكاً غير مسبوق في الدول التي تعتبر بوابة المهاجرين للوصول إلى القارة العجوز، يبدو أن إغلاقه لن يكون بالأمر اليسير، خصوصاً مع توجيه أصابع الاتهام إلى تونس ومطالبتها بتوطين اللاجئين الذين كانت «الخضراء» نقطة انطلاقهم نحو أوروبا، وهو ما يرفضه الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي أكد أن بلاده لن تقبل بتوطين المهاجرين على أراضيها، وأن تكون حارسة لحدود أوروبا، وهو ما دفع بحكومات ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا إلى فتح خط اتصال مباشر مع الرئيس التونسي، ومحاولة تزيين المسألة في عينيه من جهة العوائد المالية التي ستحصل عليها بلاده في حال وافق على الطرح الأوروبي، مستغلة انتظار حكومته من صندوق النقد الدولي الإفراج عن قرض مالي بقيمة 1.9 مليار دولار موزعة على أربع شرائح على 4 سنوات.

تونس التي تعيش أزمة معقدة، مترتبة عن الوضع الاقتصادي الصعب، تفاقمها موجات الهجرة غير الشرعية المتزايدة، في ظل مساعي الاتحاد الأوروبي لتحويلها إلى منطقة عازلة، ضاق مجتمعها ذرعاً بالمهاجرين المتزايدة أعدادهم، والذين يتخذونها محطة لتهريبهم إلى أوروبا، وليتماهى بذلك موقفه مع تأكيدات سعيّد، خصوصاً أنه بات على دراية كاملة، بما يطبخ على نار هادئة، وينتظره في قادم الأيام، من تحول مناطق كاملة من بلاده إلى معسكرات للمهاجرين.

الدول الأوروبية بدورها لم تعد قادرة على استقبال المزيد من المهاجرين، مع منحها الأولوية للاجئين الأوكرانيين، وحملهم على كفوف الراحة، بعكس ما يعانيه طالبو اللجوء الآخرون، الذين يذوقون الويلات إلى حين الموافقة على طلباتهم. 

مذكرة التفاهم التي وقعتها تونس مع الاتحاد الأوروبي تعد انفراجة في هذا الملف الشائك، حيث تهدف من جهة إلى الحد من الهجرة غير الشرعية، ومن جهة أخرى، إرساء شراكة استراتيجية وشاملة في التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة، ما من شأنه المساهمة في حل هذه المشكلة التي تؤرق تونس والاتحاد الاوروبي على حدٍ سواء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yadkd7k9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"