عادي

الصومال.. إرهاب «الشباب» في عين العاصفة

23:56 مساء
قراءة 4 دقائق
إحدى العمليات الإرهابية الي نفذتها حركة الشباب في الصومال

د. أميرة محمد عبدالحليم

منذ توليه الحكم في مايو 2022، أخذ الرئيس حسن شيخ محمود، على عاتقه مهمة تكثيف الجهود للقضاء على حركة الشباب المتطرفة، مسترشداً بما حققه في ولايته الأولى بالصومال (2012-2016) من نجاحات ومنعه للحركة من الوصول إلى مقديشو، واعتمد الرئيس الصومالي في تحقيق ما وعد به في برنامجه الانتخابي من دحر لحركة الشباب على مجموعة من الأدوات أهمها، دعم قوات العشائر، فضلاً عن محاولة منع تمويل الحركة.

فضلاً عما تقوم به القوات الإفريقية المؤقتة (ATMIS) والتي تولت مهام أمنية في إبريل 2022 بدلاً من «أميصوم» التي نشرت قواتها في البلاد منذ عام 2007، والضربات التي يقوم بها الجيش الأمريكي لتصفية قيادات وعناصر الحركة، تمثل العملية الشاملة التي تبنتها القوات الصومالية منذ أغسطس 2022 مرحلة جديدة في مواجهة حركة الشباب عبر أساليب جديدة تحد من قدراتها على التجنيد والتمويل والسيطرة المكانية، حيث فقدت الحركة العديد من القرى والمناطق خلال الشهور الأخيرة إذ تمكن الجيش الصومالي من طردها من مناطق وسط الصومال وتم قتل أكثر من ثلاثة آلاف من مسلحي الحركة.

في المقابل صعّدت الحركة من عملياتها الدموية وخاصة العمليات الانتحارية ضد القواعد العسكرية للقوات الإفريقية ومواقع الجيش الوطني الصومالي، ففي نهاية مايو 2023، أعلنت مسؤوليتها عن هجوم استهدف قاعدة يشرف عليها عسكريون أوغنديون من الاتحاد الإفريقي في بولو مارير، على بعد 120 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة مقديشو. وقالت السلطات الأوغندية إن 54 جندياً قتلوا في الهجوم، وهو من أكثر الهجمات فتكاً في الأشهر الأخيرة، وقامت القيادة العسكرية الأمريكية بشن غارة جوية على مواقع الحركة رداً على هذا الهجوم. كما شنت عناصر من حركة الشباب في 21 يونيو 2023 هجوماً انتحارياً استهدف قاعدة عسكرية في مدينة بارديرا، حيث تتمركز قوات إثيوبية.

تحديات المواجهة

كما تواجه الحكومة الصومالية عدداً من التحديات من أهمها بدء القوات الإفريقية الانسحاب من الصومال، حيث تنتهي مهمتها في ديسمبر 2024، لتترك القوات الوطنية الصومالية تتولى مسؤوليات حماية المؤسسات والمدنيين من عمليات حركة الشباب، وأعلنت بعثة الاتحاد الإفريقي في يونيو 2023 في بيان لها بدء تقليص أعداد جنودها في الصومال بموجب قرار الأمم المتحدة الذي ينص على انسحاب «ألفي جندي بحلول نهاية يونيو 2023». وتسلّم جنود صوماليون المهام من القوات الإفريقية في قاعدة في ولاية هيرشبيلي في وسط البلاد.

كما أن استمرار حمل المدنيين للأسلحة في الصومال يثير الكثير من المخاوف من تحول الأعمال ضد حركة الشباب إلى عمليات انتقامية، فقد اتجه المواطنون في إقليم هيران بولاية هيرشبيلي في وسط الصومال في سبتمبر 2022 وعقب معارك مع حركة الشباب إلى قطع رؤوس عناصر من الحركة، وذلك رداً على عمليات حرق المنازل وقطع رؤوس المدنيين التي تبنتها الحركة في الإقليم.

فعلى الرغم من أن اعتماد الحكومة الفيدرالية في حربها ضد حركة الشباب الإرهابية على دعم المجتمعات المحلية وتحديداً قوات العشائر بما يمثل مدخلاً مهماً لمواجهة حركة الشباب وتقليص انتشارها وسيطرتها المكانية حيث تعتمد على الضرائب والزكاة التي تجمعها من هذه العشائر، إلا أن تصاعد العمليات العسكرية من قوات العشائر ضد الحركة ينذر باحتمالات تحول هذه القوات إلى عوامل تهديد جديد للحكومة الصومالية وخاصة في ظل افتقاد هذه الحكومة لقدرات تقديم الخدمات التي كانت تقوم بتقديمها حركة الشباب في مناطق سيطرتها، كما يمكن أن تستخدم هذه العشائر الذخائر التي تقدمها لها الحكومة الفيدرالية في الاقتتال مع بعضها وتصفية الحسابات، فخلال شهر نوفمبر 2022، تقاتلت عشيرتان فرعيتان، كلتاهما متحالفة مع الحكومة لمدة يومين شمال مدينة أدال، ما أسفر عن مقتل 37 شخصاً.

كما تقوض الخلافات السياسية بين الحكومة وإدارات بعض الأقاليم، وبعض العشائر وكذلك الخلافات داخل الإقليم الواحد، من التقدم الذي تحرزه قوات الأمن الوطنية في حربها ضد حركة الشباب، فقد ظهرت خلافات داخل إدارة إقليم هيران في إبريل 2023 حول تحصيل الضرائب، وعكست الصراع على السلطة بين عشيرتي الأبجال والهوادل، مما أدى إلى نقص المدفوعات لميليشيات العشائر بشكل مباشر وانسحاب القوات من القواعد. وقد أتاح ذلك فرصة لمقاتلي الشباب لاستعادة قرى استراتيجية رئيسية.

مستقبل الحرب

برغم النجاح الذي حققته الحملة العسكرية التي تقوم بها القوات الأمنية الصومالية، وما أسفرت عنه من وضع حركة الشباب في عين العاصفة وخروجها من معاقل رئيسية لها، لا تزال الحركة تمثل تهديداً رئيسياً للأمن ليس داخل الصومال فقط بل لمحيطه الإقليمي وكذلك للمصالح الدولية، مما يدفع في اتجاه محاولة البحث عن مداخل جديدة لاستكمال الإنجازات التي تحققت منذ بدء الحملة العسكرية ضد الحركة في أغسطس 2022.

ومن أهم العوامل التي يمكن الاعتماد عليها في هذا الأمر رفع الحظر عن استيراد الأسلحة لتسليح الجيش الوطني الصومالي ومحاولة اختيار القادة الأمنيين والعسكريين بعيداً عن المناطقية والقبلية والمحسوبية وأن يكون هناك دعم مادي ولوجستي خارجي للقوات الوطنية.

كذلك زيادة الدعم العسكري الخارجي حيث تقوم القوات الأمريكية ببعض الضربات الجوية الموجعة لقيادات حركة الشباب، في الوقت الذي أعلنت فيه إثيوبيا وكينيا وجيبوتي استعدادها لنشر قوات إضافية في الصومال بعيداً عن مشاركتها في القوات الإفريقية التي بدأت الانسحاب من الصومال، إلا أن هذا الحضور الأجنبي لابد أن يتم عبر تنسيق مع الحكومة الفيدرالية الصومالية حتى يتم تفادي مشكلات الشعب الصومالي مع التدخلات الخارجية وخاصة من قبل إثيوبيا، وكذلك منع الخلافات التي نتجت عن دعم كينيا وإثيوبيا لإدارات إقليمية في السابق على حساب الحكومة الفيدرالية الصومالية.

هذا فضلاً عن ضرورة استمرار التنسيق الحكومي مع قوات العشائر لجذب المزيد منها لدعم الحملة العسكرية ضد حركة الشباب، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه القوات سوف يتم تأهيلها في المستقبل للاندماج في الجيش الوطني، وربما يكون للإعلام الصومالي دور كبير في تحفيز العشائر المختلفة للتخلص من تحالفاتها مع حركة الشباب مما يدفع نحو تطويق الحركة والحد من تهديداتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc88acyp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"