المصالحة قبل الانتخابات

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

ما زالت ليبيا غارقة في أزمتها الممتدة منذ أكثر من اثني عشر عاماً، ولم تفلح الجهود والمبادرات المتعددة في رسم خريطة طريق عملية وناجحة تفضي إلى تجاوز المراحل الصعبة، وإجراء انتخابات حقيقية تنتج نخبة قادرة على الحكم وإدارة البلاد بما يلبي الطموحات المعلنة، ويحقق الحلم الذي يراود غالبية الليبيين.

كل الطروحات التي يتم تداولها حول ليبيا، تتعلق بالتصميم على إجراء انتخابات حرة وشفافة، ودون هذا الهدف عراقيل وتفاصيل يغرق فيها الوضع وتحول دون اكتماله. والحقيقة التي يتجاهلها كثيرون أن الحالة الليبية غير مهيأة لعملية ديمقراطية شفافة، تساعد على ولادة شرعية مقنعة لجميع الأطراف. كما أن الضمانات بأن إجراء انتخابات سينهي هذه الأزمة غير متوفرة إلى الآن، لا سيما وأن ما جرى بعد انتخابات 2014 ليس ببعيد، فمنذ تلك اللحظة انقسمت البلاد بين شرق وغرب، وعسكريين ومدنيين، وجيش وميليشيات، وحكومة معترف بها وأخرى بأمر الواقع. وقد أفضت هذه الحال إلى اندلاع حرب أهلية في السنوات القليلة الماضية، وتوقفت بموجب هدنة وليس بفعل اتفاق شامل جامع. ورغم تعدد المبادرات المحلية والإقليمية والدولية، يظل الواقع ملغوماً وقابلاً للانفجار؛ عندما تتوفر الأسباب وتصل جميع الجهود إلى طريق مسدود.

إنهاء الأزمة الليبية يقتضي أن تكون الانتخابات المفترضة نتيجة وليس بداية، فقبل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وفرز شرعية جديدة، يجب أن تتحقق مصالحة وطنية شاملة تشارك فيها كل الأطراف ذات الصلة، وعلى أساس تلك المصالحة ينشأ ميثاق وطني جامع يسمح بإرساء دستور وقوانين انتخابية ملزمة، ويقدم ضمانات لتبديد قلق من هم في السلطة اليوم، من الذين يخشون الملاحقة والانتقام أو يفقدون مصالحهم. وخوفاً من ذلك المصير، تؤدي الشخصيات المتحكمة في المشهد دوراً مزدوجاً، فهي من ناحية تتظاهر بالحرص على إجراء الانتخابات والتعاون مع المبعوث الأممي الخاص عبد الله باتيلي، وتعمل في ذات الوقت على خلق العراقيل وافتعال الخلافات لإجهاض خطة الانتخابات وترحيلها.

عندما تعلق جهود مسار إجراء الانتخابات في عقبة، يخرج المبعوث الأممي مطالباً بضرورة معاقبة «كل من يعملون على عرقلة العملية الانتخابية»، والمشكلة أن المعرقلين غير واضحين تماماً، وحتى إذا تحددت هوياتهم فإن معاقبتهم ستضع عقبات إضافية أمام هذا المسار، وربما يتدهور الوضع إلى الأسوأ وتعود رحى الحرب والصراعات، لتطحن ما تبقى من مخلفات أزمة طالت أكثر مما يلزم. وفي مجتمع تتجاذبه الانقسامات وتعصف به خطابات الكراهية، من الصعب أن يستعيد تماسكه وعافيته وينطلق مجدداً باتجاه الاستقرار والسلام.

مرة أخرى، لا تبدو ليبيا بحاحة إلى انتخابات بقدر ما هي بحاجة إلى مصالحة وطنية حقيقية، فإذا تحقق هذا الهدف أصبحت كل الاستحقاقات هينة، فبالمصالحة يمكن توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وبها يمكن حل الميليشيات وطرد المرتزقة، وبلورة رؤية وطنية لبناء المستقبل المشترك. وعن طريق المصالحة أيضاً، تستعيد شريحة واسعة من الليبيين حقوقها ويعود اللاجئون من المنافي. وحين تتحقق هذه الشروط يمكن أن تكون الانتخابات مثمرة، وتطوي إلى غير رجعة، صفحة الخلافات والفتنة والصراعات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhh7k67

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"