العالم يجوع

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

المصائب لا تأتي فرادى.. هكذا يقول المثل. من جائحة «كورونا»، إلى الحرب الأوكرانية، إلى الحروب الأهلية، وتصاعد الإرهاب، وكوارث الطبيعة، من حرائق وأعاصير وفيضانات وبراكين، وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة.

معظم ضحايا هذه المصائب من الفقراء الذين يدفعون ثمناً لطغيان الأغنياء، الذين أعمت بصائرهم العتوّ والجشع والطمع والسيطرة، فاستهانوا بالإنسان والأرض معاً، وجعلوا من مصالحهم قيمة عليا، لا مكان فيها للإنسان ولا لكرامته وحقّه في الحياة.

الجوع في العالم الذي يضرب أطنابه أركان المعمورة، هو واحد من هذا التغوّل الذي تمارسه الدول الغنية على الدول الفقيرة، وهو نتيجة سياسات الإفقار التي مارستها الدول الاستعمارية على دول آسيا وإفريقيا طوال قرون، وأيضاً جراء حروب ممتدة بهدف السيطرة، وصراعات داخلية لها علاقة باستثمارات دولية، فضلاً عن التدمير المقصود للبيئة، بما يؤدي إلى كوارث تهلك الأرض والزرع والضرع.

تقول منظمة الأغذية والزراعة الدولية، إن ما لا يقل عن 122 مليون شخص أضيفوا إلى قائمة الأزمة الغذائية منذ العام 2019، ما يشير إلى فشل الجهود العالمية للحد من الجوع، وزاد من صعوبة الوضع قرار روسيا مؤخراً بتعليق العمل باتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

وتشير المنظمة في تقرير لها، إلى أن عدد الأشخاص الذين عانوا الجوع في عام 2022 تراوح عددهم بين 681 مليون شخص و783 مليوناً، بمعدل وسطي يبلغ 773 مليوناً، وهذا يعني أن الجوع يصيب واحداً من كل 10 أشخاص في العالم، وتشير هذه الأرقام إلى أنه لن يتم تحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الفقر بحلول عام 2030، وبحسب التقرير فإن أكثر من 3.1 مليار شخص على مستوى العالم لم يستطيعوا تحمل تكاليف نظام طعام صحي.

أرقام مهولة تكشف الفجوة بين معاناة الدول الفقيرة وتلك الغنية، وكيف يتصرف العالم بغباء ورعونة لمواجهة مثل هذه الكارثة الإنسانية، إذ تشير الأرقام إلى أن الميزانيات الدفاعية لعشر دول فقط بلغت أكثر من تريليوني دولار، تأتي الولايات المتحدة على رأسها بميزانية تصل إلى 825 ملياراً للعام 2024، في حين أن الحرب الأوكرانية استهلكت حتى الآن مليارات الدولارات، والحبل على الجرار، إضافة إلى ما تسببت به من سقوط مئات ألوف القتلى والدمار الهائل الذي لحق بها.

لو أن ربع ما يتم صرفه على الميزانيات العسكرية والحروب، يُصرف على مواجهة الجوع والأمراض والأوبئة والبيئة، لتمّ اجتثاث كل هذه الآفات، ودخل العالم في مرحلة متقدمة من السلام والأمن الاجتماعيين.

يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: «في عالم تسوده الوفرة، من الشائن أن تستمر معاناة أشخاص من الجوع حتى الموت»، ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور:«كل بندقية، وكل سفينة حربية تُصنع وكل صاروخ يُطلق يعني في النهاية سرقة من أفواه الجياع الذين لم يحصلوا على الطعام، وأولئك الذين يعانون البرد ولا يرتدون الملابس».

إنه عالم يجوع حتى الموت.. فيما عالم آخر مُتخَم، يرمي فائض الطعام في مكبّ النفايات !!.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ms4rf2kj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"